خصائص ومزايا منهج
أهل السنة والجماعة
الوسطية والاعتدال
مما يتميز به منهج
أهل السنة: أنه مذهب وسط بين الإفراط والتفريط، وانطلق إليه في كل جزئية من
جزئياته، سواء في الفروع، أو الأصول، أو في مسائل الاعتقاد، أو كذلك في مسائل
التأصيل تجد أنهم وسط، فهم وسط في صفات الله .. وسط في أصحاب رسول الله .. وسط
كذلك في باب الإيمان .. وسط في باب القضاء والقدر .. وسط فيما هم فيه من التحسين
والتقبيح .. إلى غيرها من مسائله الكثيرة في مسائل التأصيل وما كان عليه أولئك
السلف.
توحيد مصدر التلقي
والاستدلال
مما يتميز به منهج
أهل السنة: أنه منهج مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا
يتميز به ما كان عليه سلف الأمة، وتجدهم يقتفون الآثار..
العلم قال الله قال
رسوله قال الصحابة ليس خلفٌ فيه
دل على أنهم يتأسون
ويقتدون في كل صغير وكبير، وسبحان الله! نجد ذلك متميزاً في منهج الأئمة الأربعة
يحرصون ما استطاعوا على ذلك بأن يأخذوا بكتابٍ وسنة، وبسير على ما قاله أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، واعتمد على الكتاب والسنة؛ لأن منهجهم جله متلقى من الله
ورسوله، ولا يمكن للعقل أن يأتي بشيء جديد لم يكن دل عليه الكتاب والسنة.
موافقة النقل الصحيح
للعقل الصريح
مما يتميز به منهج
أهل السنة: أنه موافق للعقل الصريح، فإن العقل متى خلا من الشبهات والشكوك سبحان
الله! يقبل هذا الدين قبولاً كاملاً. ولذلك سيأتينا أن مما تتميز به عقيدة الإسلام
أنها عقيدة فطرية، ولعلي ألطف بمثال بسيط في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقصة
واقعية: قدم غماد إلى مكة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُتهم بأنه مجنون قريش،
ويوصم بالنقص وبالسحر وبالكهانة.. وبغيرها، ولما قدم من نجد إلى مكة وقد كان سيداً
مطاعاً فخشيت قريش أن يسلم هذا الرجل، فقالوا: الحقوا به، وقولوا له: إن لدينا
مجنوناً، فرق بين النساء والأزواج، وكذلك بين الابن وأبيه.. وغيرهم، ولا حاجة
للجلوس معه، فقد مس في عقله، يقول غماد : وكنت أعالج من الريح أي: من الجنون في
الجاهلية. ولما دخلت إلى مكة أديت العمرة، ثم مكثت بها أياماً ما كان في ذهني
أبداً أن أذهب إلى هذا الرجل، ولو قيل لنا: هناك ثمة مجنون لم يكن لأحد منا أن
يذهب ليسلم عليه، وليسأل عن أحواله وأخباره، فما تفيدنا شيئاً فعقله لا يستفاد
منه، يقول: ولكني بعد مدة قلت في نفسي: إني أعالج المجانين، فما يضرني أن أذهب إلى
مجنون قريش ثم أعالجه إن شُفي على يدي كانت لي منقبة عند قريش، وإن لم يشف فليس
بأول مجنون يمر علي أصلاً. ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم جلس إليه، قال:
اسمعني من كلامك، ونحن نعلم أن من كان مجنوناً يعرف بحركته أو بكلامه، فذكرت كتب
السير أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: بل أنت أسمعني من كلامك، وتنزلاً مع
محمد صلى الله عليه وسلم أخذ يسمع النبي قصائد وأشعاراً للعرب، ولما انتهى قال:
أسمعني أنت، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بخطبة الحاجة، ثم بعد ذلك أخذ يتلو
عليه القرآن، ويتلو عليه آيات نزلت على قلبه كالصواعق، ويريد الله أن يحيي قلبه
بها، وينتهي النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن وما كان منه إلا أن قال: أمدد يدك
أبايعك، لم يحتاج إلى معجزات، ولا إلى خوارق للعادات، ونطق: أشهد أن لا إله إلا
الله وأنك رسول الله. سمعت قريش بالخبر وقالت له: صبأت، انحرفت، قال: أنتم
الصابئون، بين أظهركم رسول الله ولا تقبلون منه، بل أنتم الذين على الانحراف، دلنا
على أن هذا المنهج يوافق العقل ويوافق الفطرة، وهو منهج سلف الأمة لم يخرج عن
الكتاب والسنة، ولم يخرج عن الفطر السليمة، والعقول الصريحة. ولذلك يعتبر العقل
الصريح شاهد لمنهج سلف الأمة ولا يعارضه أبداً.
البراءة من وجوه
الانحراف والبدع
مما يتميز به منهج
أهل السنة: أنه برئ من وجوه الانحراف التي وقعت فيها سائر الطوائف، فطوائف ضلت في
تشبيه أو تعطيل، وطوائف ضلت في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في
تأليههم له، وطوائف ضلت فذهبت إلى مذهب الإرجاء، وأخرى إلى مذهب الجبرية .. وهكذا.
أما منهج سلف الأمة فهو خالٍ من هذه الانحرافات كلها ولله الحمد؛ لأن عمدتهم: كتاب
وسنة، ومن عمدته الكتاب والسنة فلن يضل ولا يشقى أبداً؛ لأن الله قد بين أن من
أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله بأن له معيشة ضنكا، ويحشره الله يوم القيامة أعمى.
مما يتميز به أنه خالٍ من أنواع الابتداع، أياً كانت في فروعه أو أصوله، وكم نجد
للبدع من الأثر العظيم في انحراف كثير من الطوائف. سبحان الله! يقلب الإنسان طرفه
في واقع أمته وفي مجتمعه الإسلامي يجد العجب من قضية الانحراف: طواف بالقبور، ودعا
غير الله، وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وحلف بغير الله، وتعليق للتمائم..
وغيرها، كم هي أنواع البدع والانحرافات التي عشعشت على عقول الناس، وسلف الأمة
-ولله الحمد- لا يوجد عندهم شيء من ذلك. ومن هنا نصل إلى نتيجة فنقول: يجب أن نؤسس
في نفوسنا دائماً أننا نسير على منهج سلف الأمة، ومن لا يقبل ذلك المنهج فإنه
منحرف عن صراط الله، ومنحرف عما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التوقيف في الأمور
الغيبية
من ميزات منهج أهل
السنة: أن الأصل عندهم في الأمور الغيبية التوقيف، أي أمرٍ غيبي الواجب عليك أن
تتوقف فيه، بمعنى: أنه ليس للعقل مجال أبداً في الأمور الغيبية. الأمر الثاني:
أنها ليست محلاً لاجتهادات العلماء، ولا يمكن أن يجتمع جمع من العلماء فيجتهدون
لنا في الأمور الغيبية أبداً. والسبب: لأن الأمر الغائب عن العقول لا يمكن أن
نتوصل إليه بمعنى أي أمر غائب عن العقل أو غيبي لا يمكن أن نتعرف عليه إلا بطرق ثلاث:
الطريق الأول: المشاهدة، فأنت إذا شاهدت الأمر الغائب عنك لم يكن غيبياً بعد، نحن
هنا جلوس، ولو سئلنا: ماذا وراء الجدار؟ لا نستطيع أن نعرف، لكن لو خرج إنسان ثم
جاء وأخبرنا أن وراءه عدد من السيارات، هل يصبح غيبياً؟ لا يصبح غيبياً؛ لأننا
توصلنا إلى العلم بهذا الغائب، وهو من الطرق العظيمة، بل هو أعظم الطرق للوصول إلى
الأمر الغائب، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو تعلمون ما
أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولذهبتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى،
ولما تلذذتم بالنساء على الفرش) ونتساءل: لِمَ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
شاهد الجنة، وشاهد النار، وشاهد ما أعد الله لأوليائه، وما أعد الله لأعدائه كما
ثبت في الصحيح فإنه في صلاة الكسوف كان يصلي بالناس، وفي أثناء الصلاة تقدم النبي
صلى الله عليه وسلم وهو يمد يده الشريفة يريد أن يأخذ شيئاً، وتقدم الصحابة معه،
ثم إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعدها يرجع ويرجع القهقرى صلوات الله وسلامه
عليه، ورجع الصحابة بعده من مكانهم، فقال الصحابة: يا رسول الله! عملت شيئاً لم
تكن تعمله من قبل؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (فتحت لي الجنة ورأيتها رأي
العين، وأردت أن آخذ عنقوداً من عناقيدها، ولو أخذته لأكلتم منه إلى قيام الساعة)
أمر عجيب! والسبب المشاهدة. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الخبر
كالمعاينة) في حديث: (إن لله ملائكة سيرة... يستعيذون من النار، ويسألونك الجنة،
يقول الرب: كيف لو رأوها؟ قالوا: لكانوا أشد لها طلباً) وهي الجنة، والنار لو
رأوها لكانوا أشد هرباً منها، مما يدلنا على أن الأمر المشاهد له أثر عظيم على
النفس. الطريق الثاني: ونسميه الطريق الذي يوصلنا إلى العلم الغائب الشبيه
والمثيل، فإذا وجد شبيه ومثيل لهذا الأمر الغائب وصلنا إلى العلم، وتعرفنا على هذا
الأمر الغائب، فلو أخبرتكم مثالاً بسيطاً في شيء، مثلاً: أكلت اليوم تمراً لا يوجد
مثله في الدنيا، فتجد أصحاب بلدي يذكرونه، فأهل القصيم يقولون: مثل السكري مثلاً،
أو نبت سيف أو غيره؛ لأنه يقربه، فإذا قلت: مثله، قرب إلى الذهن أم لا؟ أو شبيهاً
له؟ أوصل لي تصوراً معيناً لهذا الأمر الغائب الذي لم يعرفه الناس، وهذا يعتبر
طريقاً صحيحاً، ولكنه ليس كالطريق الأول. الطريق الثالث: الخبر الصادق: والخبر
الصادق لا شك أنه يوصل العلم للإنسان بالأمور الغائبة عن العقول البشرية التي لا
تستطيع إدراكها أبداً. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم رحمه
الله تعالى تقعيداً لطيفاً هنا في هذا الموضع: إن الشريعة تأتي بما تحار به
العقول، ولا تأتي بما تستحيله العقول، ولعل مثالاً بسيطاً للأمور التي هي غيبية
عنا لا يمكن للعقل إدراكها أبداً، من الأمثلة: قضية الجنة والنار، وقضية الملائكة
وصفاتهم عليهم الصلاة والسلام ورؤيتها رأي العين، مثلما يتعلق كذلك بذات الله
سبحانه وتعالى، وكيفية صفاته، لا يمكن للعقل أن يدركه، هل يمكن لنا عن طريق
المشاهدة؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا كما في صحيح مسلم : (واعلموا أن
أحدكم لن يرى ربه حتى يموت) لا يمكن أبداً. هل لله شبيه ومثيل؟ الله يقول: لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [1]وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [2]فأصبح
الطريق الأول والطريق الثاني لا يمكن الوصول إليه. بقي عندنا الطريق الثالث وهو
الخبر الصادق: ونقول الخبر الصادق عندنا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم، هذا فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد، وبالنسبة عندما قلنا للكتاب: إنه خبر صادق؛
لأن الله يقول: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [3]وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً[4].
ولا يوجد إطلاقاً من يخبر عن الله مثل نفسه سبحانه وتعالى، والله أخبرنا عن أسمائه
وصفاته، وعن جنته وناره، وعن ملائكته أخباراً يجب علينا أن نؤمن بها، ولا نجد في
أنفسنا شيئاً من التردد في إثباتها؛ لأن الله هو الصادق سبحانه وتعالى، وقد وصف
نفسه وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [5]وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً[6].
وبالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فلا شك بأنه صادق؛ لأن الله قد قال عنه: وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[7].
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمرو بن العاص : (والذي نفسي
بيده اكتب فإن كل ما أقوله حق) دل على أنه لا يقول صلوات الله وسلامه عليه إلا كان
الصدق والحق الذي يجب أن تطمئن نفوسنا إليه، ولا نجد في أنفسنا شيئاً من التردد
تجاه ذلك. سبحان الله! كنت أقرأ في أحد كتب العقلانين، وإذا به ينكر أحاديث ثابتة
كالشمس؛ لأنه أمرَّ العقل عليها وما علم هذا الجاهل المسكين أنه ما عرف قيمة
الكتاب والسنة، ولا قدرهما قدرهما، وإلا كيف يكون للعقل مجال لأجل أن نرد كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ولعلي أقول للأحبة: لو كان للعقل مجال في
أمور الغيبيات فلا ندري نأخذ بعقول من؟ أنأخذ بعقول الأشاعرة ؟! أم بعقول المعتزلة
؟! أم بعقول الفلاسفة ؟! أم بعقول الجبرية ؟! أم بعقول الخوارج ؟! أم بعقول
الفساق؟! أم بعقول أهل الصلاح؟! كل الناس لهم عقول ومشارب شتى، ولكن من رحمة الله
تعالى أن جعل لنا تقعيداً عاماً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم
شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي) وسنته صلى الله
عليه وسلم باقية خالدة. ولعل من المثال على ما تحار به العقول تجاه ذلك من الأمور
الغيبية، لما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن سدرة المنتهى لما رآها، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: (يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطع ظلها) رسول الله
صادق ولا يكذب أبداً، ويبقى العقل حائراً تجاه هذا الخبر، لكنه هل يكون مستحيلاً؟!
لا وربي لن يكون مستحيلاً؛ لأن الله قادر على كل شيء. ولما حدثنا النبي صلى الله
عليه وسلم عن ملكٍ من الملائكة، كما في سنن أبي داود بسند صحيح إذ قال: (ما بين
شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) كيف يكون هذا المخلوق العجيب؟! ولكن نقول:
آمنا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم. قاعدتنا تجاه الغيبيات هو التسليم لله
ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقاً بذلك، وهذه قاعدة عظيمة جداً. ولذلك ورد عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وأرويه لكم بمعناه: لما عدا ذئب على
غنم، ثم أخذها الراعي من الذئب -أخذ الذئب شاة فجاء الراعي وأخذها- فتكلم الذئب
قال: من لها يوم لا راعي لها إلا أنا!! فقال الصحابة رضي الله عنهم: عجباً ذئب
يتكلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولكني اؤمن به أنا وأبو بكر وعمر )
تسليم.. قال: وما كان أبو بكر و عمر في المجلس؛ لأن قاعدتهم: هو التسليم للأمر
الذي تحار العقول تجاهه، وكم هي الأمور التي جاءتنا في شرعنا يبين لنا أنها غيبية
وبعضها خوارق للعادات، والواجب علينا التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. سار
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
بدأ الانحراف بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأسبابٍ متعددة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق