بحث جاهز عن الحج

الحج في اللغة
اعلم أنّ (الحجّ) بالفتح في لغة، وبالكسر في أُخرى. وقيل : بالأول مصدر، وبالثاني اسم . يأتي في اللغة لمعان كما في القاموس ،أشهرها : القصد، أو المكرّر منه خاصّة، حتى أن جماعة لم يذكروا غيرهما.
الحج في الاصطلاح
وفي الشرع (اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة) عند الماتن وجماعة؛ للتبادر، وكذلك عند المتشرعة. وعند الشيخ وجملة ممن تبعه: القصد إلى مكّة شرّفها الله تعالى لأدائها عندها، متعلقة بزمان مخصوص. وربما قيل : مطلقاً. وقد أُورد على كلٍّ من الفريقين إيرادات لا فائدة مهمة للتعرض لها، بل ينبغي صرف الهمّة بعون الله سبحانه إلى ما هو أهمّ منها وأولى.
وجوب الحج
فنقول (وهو فرض على المستطيع ) للسبيل إليه (من الرجال والخناثي) مطلقاً (والنساء)؛ بالكتاب، والسنّة، و الإجماع . (و) إنّما (يجب بأصل الشرع) أي من غير جهة المكلّف (مرة) واحدة في مدة العمر؛ للأصل، والنصوص المستفيضة من طرق العامة والخاصة. ولا خلاف فيه أجده، إلاّ من الصدوق في العلل، فأوجبه على المستطيع في كلّ عام، كما في المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيرها. لكنها كقوله شاذة، مخالفة لإجماع المسلمين كافّة، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين والفاضلان في المعتبر والمنتهى، فلتكن مطرحة، أو محمولة على الاستحباب ، أو على أن المراد بكلّ عام يعني على البدل ، كما ذكرهما الشيخ والفاضل في التذكرة .
احتمال وجوب الكفايي
وزاد جماعة، فاحتملوا حملها على إرادة الوجوب كفايةً، بمعنى لزوم أن لا يخلو بيت الله تعالى عن طائف أبداً، كما يستفاد من النصوص المستفيضة، المتضمنة للصحيحة وغيرها.
الاستدلال بالكتاب
وخير المحامل أوسطها؛ لمنافاة ما عداه لما في بعض تلك الأخبار من التنصيص بأن الله تعالى فرض الحج على أهل الجِدَة في كلّ عام، وأن ذلك قول الله عز وجل : (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) الآية فإنّ مفاد الآية الوجوب عيناً إجماعاً.
والثاني بالخصوص لما في بعض النصوص الشاهدة عليه من تعميم ذلك للغني والفقير، وذكر مثل ذلك في زيارة النبي صلي الله عليه و آله وسلم ،مع أنّ ظاهر تلك النصوص الاختصاص بأهل الجِدَة، ولم أر قائلاً بالوجوب مطلقاً فيهما، ويمكن جعله دليلاً على إرادة الاستحباب فيما عداه.
وجوبه مضيق
ويجب (وجوباً مضيّقاً) بأخبارنا وإجماعنا، كما صرّح به جماعة منّا مستفيضاً، كالناصريات والخلاف والمنتهى و الروضة ،وغيرها.
المراد بالفورية
وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلاّ ففيما يليه، وهكذا. ولو توقف على مقدّماتٍ من سفرٍ وغيره وجب الفور بها على وجهٍ يدركه كذلك. ولو تعدّدت الرفقة في العام الواحد قيل : وجب السير مع أولها، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية، وإلاّ كان كمؤخّره عمداً في استقراره ، واختاره في الروضة. وفي إطلاقه نظر، ولذا خصّه الشهيد في الدروس بما إذا لم يثق بسفر الثانية، وفيه أيضاً إشكال.
والأوفق بالأصل جواز التأخير بمجرّد احتمال سفرها، كما احتمله بعض، قال : لانتفاء الدليل على فورية السير بهذا المعنى.. وهو حسن، إلاّ أنّ الأول ثم الثاني أحوط. ثم إنّ هذا بالإضافة إلى أصل وجوب المبادرة إلى الخروج، بحيث يكون بالترك آثماً. وأمّا بالإضافة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء فما ذكره في الروضة متعيّن جدّاً؛ لعموم ما دلّ على وجوبه السليم عن المعارض أصلاً.
وجوبه بالنذر وشبهه وبالاستيجار
 (وقد يجب بالنذر وشبهه) من العهد واليمين (و بالاستيجار ) للنيابة، وجب على المنوب عنه أم لا (و الإفساد ) ولو للمندوب؛ بناءً على وجوبه ولو بالشروع.
استحبابه لفاقد الشرائط
 (ويستحب لفاقد الشرائط) للوجوب مطلقاً (كالفقير) أي الذي لم يستطع ولو كان غنياً (والمملوك مع إذن مولاه) لعموم الترغيب فيه عموماً وخصوصاً، كما ستقف عليه. إن شاء الله تعالى.

حقيقة الحج
إنّ مناسكَ الحجّ ليسَت مجرّدَ رسومٍ تُؤدَّى وأماكنَ تُؤتَى، بل الحجُّ مدرسةٌ، وتربية، وتاريخٌ، وذكريات، وعبادةٌ خالِصة تُفيض على الحاجّ نورَ الإيمان وثمرةَ العبادة.
 حين يسعى الحاجّ بين الصفا والمروة ويشتدّ سَعيًا في بطنِ الوادي يستحضِر الذُلَّ والفاقةَ لربّ العالمين، ويشعر أنّ حاجتَه وفقرَه إلى خالقِه كحاجةِ وفقر هاجرَ أمِّ إسماعيل في ذلك الوقتِ العصيب والكَرب العظيم؛ تسعَى لاهثةً مشفِقة وجِلةً تطلبُ الغوثَ من الله. يتذكَّر أنّ مَن كانَ يطيع اللهَ كإبراهيمَ-عليه السلام- فإنّ الله لا يضيعُه ولا يضيعُ ذرّيّتَه وأهله ولا يردّ دعاءَه.
أيّها الحاجّ الكريم: وأنتَ إذ أكرمَك الله تعالى بحجِّ بيتِه ويسَّر لك فاجتهِد رعاك الله في إتمامِ نُسُكك امتثالًا لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة:196]. وإتمامُه يكون بالإخلاصِ لله عزّ وجلّ والحِرص على اتِّباع السنة والاقتداءِ بالنبيّ-صلى الله عليه وسلم-الذي قال: (خذوا عني مناسكَكم) والإتيانِ بشرائطِ الحجّ وواجباته كاملةً، كما ينبغي السؤالُ عن الأحكام الشرعية قبلَ الشروع في العمل، فكم حاجٍّ يعبُد الله على جهلٍ، لا يتعلّم ولا يسأل، وهذا تهاونٌ بالنّسك، وكم من مُستفتٍ لو كان قبل العمل لزال عنه الحرَج، كما أنّ تتبُّع الرُّخَص والتهاونَ في أداء المناسك خذلانٌ ونَقص، فاتّقوا الله وأتمّوا الحجّ والعمرةَ لله.
ومن إتمام النسُك البعدُ عمّا يشوبه ويُنقصه، فالجدالُ والمراء والرفَث والفسوق والكِبر على عبادِ الله منهيّ عنها في القرآن، والبعدُ عنها مشروطٌ للقبول والغُفران: {ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يأُوْلِي ٱلألْبَـٰبِ}[البقرة:197]. كما لا يجوز أن يُحوَّل الحجّ إلى ما ينافي مقاصدَه، فلا دعوةَ إلاّ إلى الله وحدَه، ولا شعارَ إلاّ شعار التوحيد والسنّة، ولا يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤذيَ مسلمًا، أو يروّع آمنًا، أو يصرفَ الحجَّ لما يخالف سنةَ سيّد المرسلين-صلى الله عليه وسلم-: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25].
في الحجّ تربيةُ النّفوس على جُملٍ من معاني الخير ومكارم الأخلاق، كالصّبر، والتحمّل والعَفو، والصّفح، والنفَقة، والبذل، والإحسان، وتعليمِ الجاهل، والدعوة إلى الخير، ونفع المسلمين، وإنما شُرعت الطاعات والقُرُبات لعبادةِ الله تعالى، وفيها تهذيبُ النّفوس وتزكيتُها، وترويضُها على الفضائِل، وتطهيرها من النقائص، وتحريرُها من رقِّ الشّهوات، والرقيُّ بها لأعلى المقامات والكرامات.
في الحجّ تعلمُ أنّ ما كنتَ تراه ضروريًّا ترَف الدّنيا أنّه ليس بضروريّ، وأنه يُمكِن الاستغناء عنه، وأنّ تفاخرَ الناس وتعاليَ بعضهم على بعض هي مظاهرُ زائفة؛ لأنّك اليومَ ترى الناسَ سواسية كما سيكون يومَ القيامة، فتقودك هذه المواقف والتأمّلات إلى أن تتغيّر نظرتُك للحياة، فتتعاملَ مع الدنيا بمقدار ما تستحقّه دون مبالغةٍ أو زيد. وكما اجتمعَ المسلمون اليومَ في مقصدِهم ومسيرتهم فإنّ هذا دليلٌ على إمكان اجتماع كلمتهم واتِّحاد صفّهم ووحدتهم، وهو المأمول بإذن الله-عزّ وجلّ-.


شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق