غسيل الاموال بحث كامل بالمراجع


المقدمة
تشكل الأموال عصب الاقتصاد، إذ تعتبر عماد الحياة المعاصرة، وأحد مقومات الأنظمة السياسية و الاجتماعية السائد في العالم، وقد تأثرت حياة الأفراد كثيرا بالتطور الاقتصادي خاصة من حيث المواقف و السلوكيات، تتصف بعضها بالمادية المطلقة، فتحقيق الربح و بأي طريقة هو المعتقد السائد لدى بعض الأفراد، حاملين بذلك شعار الغاية تبرر الوسيلة، لإعطاء تفسير و تبرير لما يقومون به من النشاطات الغير شرعية، ونقصد بذلك غسل الأموال القذرة، الظاهرة التي توسعت لتشمل مختلف دول العالم يستعملها حاملي تلك الأموال لإضفاء الشرعية على أموالهم.
ولقد ازداد النشاط الاجرامي لهذه الفئة مع التطور المالي و التقني الذي عرفه العالم، ومن مظاهر ذلك هو استحداث أساليب و تقنيات يتم من خلالها غسل الأموال خاصة مع ظهور ما يسمى بالعولمة المالية.
ولهذا بات من الضروري على مجموع دول العالم تفعيل التكتلات الاقليمية و الدولية في إطار محاربة هذه الظاهرة.وكلمة "غسل" وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات هى قوله تعالى في الوضوء  يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق …) وقوله في الطهارة من الجنابة يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا  (وقوله تعالى لأيوب عليه السلام اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (فهي تعنى الطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر كما تعنى إزالة النجاسة وتطهير الموضـع الذى أصابته بالماء، ولذلك يعبر عن الغسل بالتطهير كقوله تعالى  وإن كنتم جنبا فاطهروا )(أي اغتسلوا، وقوله وثيابك فطهر ) أي اغسله ونظفه من النجاسة، وقوله فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة فكلمة "غسل" مصدر يدل على النظافة والطهارة .


مفاهيم حول ظاهرة غسيل الأموال:
تُعتبر ظاهرة غسيل الأموال من بين المشاكل التي تصب اقتصاديات الدول وخاصة الدول النامية حيث تُعدُّ صورةً من صور الجرائم الاقتصادية لذا نحاول التطرق إلى تعاريفها وأهم عناصرها.
المطلب الأول: تعريف ظاهرة غسيل الأموال:
أصبح غسيل الأموال من المفاهيم التي أخذت تستحوذ على اهتمام صانعي السياسات الاقتصادية والمالية وبالتحديد القائمين على السياسات النقدية  والمصرفية سواء محليا، إقليمية أو عالمية، ورغم ذلك لا يمكن إيجاد تعريفٍ متفقٍ عليه لغسيل الأموال بسبب تعدُّد مصادر الأموال غير المشروعة، وتنوُّع طرق ووسائل الغسيل، وتبايُن وجهات النظر حول المصادر التي يجب أن تكون هدف التجريم في إطار المكافحة.
وانقسمت التشريعات والآراء الفقهية في تعريف غسيل الأموال إلى قسمين: ضيق، وواسع.
التعريف الضيق: هي الأموال غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية. ومن بين التشريعات الفقهية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا ديسمبر 1988 والتوصية الصادرة عن مجلس المجموعة الأوروبية عام 1991.
التعريف الواسع: يشمل جميع الأموال القذرة عن جميع الجرائم والأعمال وليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية. ومن التشريعات والآراء الفقهية التي اعتمدت التعريف الواسع لغسيل الأموال القانون الأمريكي عام 1986 الذي اعتبر غسيل الأموال هو كل عمل يهدف إلى إخفاء طبيعة أو مصدر الأموال الناتجة عن النشاطات الجرمية.
ومن بين التعاريف: « يُعرَّف غسيل الأموال بأنه عمليةٌ يلجأُ إليها من يعمل بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة أو غير
المنظمة؛ لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل غير المشروع، والقيام بأعمالٍ أخرى للتمويه؛ كي يتمَّ إضفاء الشرعية على الدخل الذي يُحقَّق »

خصائص عمليات غسيل الأموال:
توجد العديد من الخصائص التي تميز عمليات غسيل الأموال عن غيرها من الأنشطة المالية الأخرى، فمنها الاقتصادية و الاجتماعية و كذا المصرفية و التي تؤثر على طبيعة تحركاتها و أهدافها، ومن أهم هذه الخصائص نذكر ما يلي
1. إن عمليات غسيل الأموال تعد أنشطة مكملة لأنشطة رئيسية سابقة أسفرت عن  تحصيل كمية من الأموال غير المشروعة غالبا، أي الأموال القذرة الناتجة عن أنشطة الاقتصاد الخفي، التي تمثل ما بين 30 إلى 50 % من هذا الاقتصاد  الخفي الذي يوجد في معظم دول العالم بنسب مختلفة.
2. تتسم عمليات غسيل الأموال بسرعة الانتشار الجغرافي.
3. تتواكب عمليات غسيل الأموال مع الثورة التكنولوجية و المعلوماتية، حيت تشهد تلك العمليات تطورا كبيرا في تكتيكها، و كذا بالتطور في وسائل التكنولوجية التي تستخدم في نقل الأموال و تحويلها عبر الحدود.
4. ترتبط عمليات غسيل الأموال بعلاقة طردية بعمليات التحرير الاقتصادي و المالي.
5. إن عمليات غسيل الأموال تتم من خلال خبراء متخصصين على علم تام بقواعد الرقابة و الإشراف في الدول و ما يوجد بها من ثغرات يمكن النفاذ منها، و على علم بفرص و مجالات الاستثمار و التوظيف و الأصول التي توفر الأمان لهذه الأموال.
6. عملية غسيل الأموال تساعد على زيارة معدل الجريمة المنظمة محليا و دوليا.
7. ظاهرة غسيل الأموال تعود بالفائدة على الدولة المستقبلة للأموال المهربة، قصد تبييضها و تقنينها و إعادة صفها من جديد في الاقتصاد الوطني.
8. يمكن اعتبار المصرف مجرد مستودع للأموال القذرة، بل قد يصل الأمر إلى قيام المصرف باستثمار هذه الأموال في شتى المجالات و تمويل العديد من الأنشطة.
9. عملية غسيل الأموال عملية مصرفية لما للمصارف من دور استراتيجي في هذه العمليات، حيث تتكاثر عمليات غسيل الأموال في المؤسسات المالية و المصرفية لما لها من جو الكتمان و السرية المفروضة عليها بينها و بين متعامليها.
أركان ظاهرة غسيل الأموال:
  تتكون جريمة تبيض الأموال كغيرها من الجرائم من ركنين، أحدهما مادي والأخر معنوي ويقصد بالركن المادي ماديات الجريمة أو المظهر الخارجي أما الركن المعنوي: يقصد به الحالة النفسية الواقعة وراء ماديات الجريمة.
1-الركن المادي: من المعروف أن الركن المادي هو المظهر الخارجي للجريمة، وبه يتحقق الاعتداء على المصلحة العامة أو الخاصة. و من هنا فإن الركن المادي يعد الشرط الأساسي للبحث في مدى توافر الجريمة من عدمه ويقوم
هذا الركن على عناصر ثلاثة هي السلوك و النتيجة الإجمالية و العلاقة السببية بينهما.
الركن المعنوي: الركن المعنوي هو الحالة النفسية الكامنة وراء ماديات الجريمة، فلا يمكن أن يحكم على احد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم علي الفعل عن وعي و عن إرادة فالركن المعنوي يتحقق بموقف الإرادة من الفعل المادي، هذا الموقف الذي يتخذ إحدى هاتين الصورتين القصد الجرمي ، أو الخطأ الغير المقصود 
    و من المادة الثالثة من اتفاقية لعام 1998 تطلبت ضرورة توفر الركن المعنوي في جريمة تبييض الأموال فنصت على أن يكون الفعل بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال مع العلم بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم المحذرات




آليات ظاهرة غسيل الأموال:
      نمت ظاهرة غسيل الأموال وترعرعت من خلال أسباب عديدة، جعلت منها جريمة اقتصادية عالمية، وعليه سنحاول من خلال هذا المبحث ذكر أهم وأبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واتساعها إضافة إلى المراحل و الأساليب المنتهجة فيها.
أسباب ظهور غسيل الأموال:
تندرج ظاهرة غسيل الأموال في إطار ما يعرف بالجريمة الاقتصادية والمالية، ومن ثم فإن الدوافع الرئيسية التي تكمن وراء هذه العمليات تتمثل في البحث عن مأوى أو ملجأ بقصد تطهيرها والإفلات من المطاردة القانونية، وتتمثل أهم هذه الأسباب فيما يلي:
الفرع الأول: أسباب اقتصادية: يكمن إنجازها فيما يلي:
1. ارتفاع معدلات الضرائب والرسوم الأنشطة الاقتصادية: يحاول البعض التهرب من هذا العبء الضريبي وخاصة إذا ساد المجتمع شعور بأن حصيلة الضرائب لا تنفق في المنافع العامة، ولا توجه إلى الاستثمارات خدمات السليمة، أو أنه لا توجد عدالة في توزيع الدخل الوطني بشكل عام ،وبعد التهرب الضريبي والتوسع في القروض بدون ضمانات التي تخفي وراءها الفساد والرشوة من أهم الأسباب والمصادر التي تؤدي إلى زيادة حجم عمليات غسيل الأموال، وتنتشر جريمة التهرب الضريبي بشكل واضح في الدول النامية كما أنها توجد في الدول المتقدمة.
2. التجـارة في المحرمات: وعلى رأسها التجارة في المخدرات التي تشكل أكبر مصدر للدخول غير المشروعة بشكل عام، وكذلك تحقق أندية القمار دخلا هائلا لمن يعمل بها، ثم هناك تجارة الأسلحة التي تتم بمليارات الدولارات على مستوى العالم.
3. المنافسة ما بين البنوك: يحدث التسابق لجذب المزيد من الأموال واكتساب العملاء، وزيادة معدلات الأرباح من خلال فوارق أسعار الفائدة الدائنة، كذلك الصرف الأجنبي، وكل ما يرتبط بالعولمة والمنافسة غير الشريفة بين البنوك .
4. زيادة الاتجاه نحو التحرر المالي والاقتصادي: من خلال الالتزامات الدولية في إطار منظمة التجارة العالمية وتحرر تجارة الخدمات البنكية  المالية على وجه الخصوص، مما يفسح المجال أمام التحركات الرأسمالية بقصد غسيل الأموال في الداخل والخرج، حتى تسعى معظم الدول إلى جذب الاستثمارات الأجنبية  وتحرر الأسواق المالية لإحداث المزيد من الانتعاش والنمو الاقتصادي بغض النظر عن مخاطرة تزايد عمليات غسيل الأموال
الفرع الثاني: أسبـاب غير اقتصـاديــة: وتتمثل في العناصر التالية:
1. الفساد الإداري والسياسي: حيث يقوم البعض من المسؤولين في مختلف بلاد العالم باستغلال سلطانهم في  الحصول على رشاوي وعمولات مقابل تمرير صفقات معينة أو إعطاء تراخيص حكومية لبدء نشاط استثماري أو للحصول  على خدمات عامة مثل الكهرباء، الهاتف، والمياه وغيرها، وتلك الرشاوي والعمولات في حاجة إلى الغسيل؛
2. البحث عن الأمان واكتساب المشروعية خشية المطاردة القانونية: وهذا يمثل دافعا أساسيا لمرتكبي الأعمال الإجرامية والفساد، إذ كلما زادت المتحصلات المتولدة عنها كلما قوي السبب لغسيلها بصفة وعبر الحدود بصفة خاصة، وتشير الدراسات في هذا الصدد إلى التزايد الكبير في الأنشطة الإجرامية التي تولد دخولا ضخمة لمن يعملون فيها إنتاج المخدرات وتوزيعها، والتهريب التجاري وتجارة الأسلحة؛
3. تعقيدات النظم الإدارية: من المعروف أنه كلما زادت التعقيدات الإدارية الحكومية، وكثرت وطالت الإجراءات والقواعد المنظمة لأي عمل، كلما زادت الدوافع لدى الأشخاص للاتفاق حولها ومخالفاتها، ودفع مقابل لتذليلها، كما أن الحواجز المانعة تؤدي بالعديد من الأفراد إلى البحث عن ثغرات للتحاليل عن هذه القيود؛
4. اختلاف وتباين التشريعات وقواعد الإشراف والرقابة: وذلك بين الدول المختلفة، مما يفتح المجال لوجود بعض الثغرات التي تستطيع أن تنفذ منها هذه الأموال، خاصة وأن عملية غسيل الأموال تتم من خلال خبراء متخصصين على علم تام بقواعد الرقابة والإشراف في الدول، وما يوجد لها من ثغرات يمكن النفاد منها؛
5. تواطؤ وتردد بعض الدول النامية في وضع التشريعيات والضوابط: وذلك خوفا من أن يكون ذلك متعارضا مع اتجاه الاقتصاديات الرئيسية في العالم وكذلك المؤسسات المالية العالمية نحو تحرر تحركات رأس المال في إطار ما يعرف بظاهرة العولمة المالية وعولمة الأسواق المالية، بل أكثر من هذا التسابق ما بين الدول في منح حوافز الاستثمار والضمانات من أجل جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية لاستثمار ضمانها أن ذلك كافي لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي بغض النظر عما إذا كانت تلك الدفقات مشروعة أو غير مشروعة
مرحلة الدمج:
·  تمثل عملية الدمج المرحلة الأخيرة من عملية غسل الأموال وهي المرحلة الأكثر علنية من مثيلاتها بحيث تتمثل في دمج الأموال المغسولة في الدورة الاقتصادية العادية واضفاء صفة المشروعية عليها واكسابها المظهر القانوني السليم بحيث يصعب اكتشاف أمرها. فهذه المرحلة تؤمن الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروة ذات المصدر غير المشروع وبها توضح الأموال المبيضة مرة أخرى في الاقتصاد بطريقة يبدو معها أنه تشغيل قانوني لمال من مصدر نظيف. وهذه المرحلة تعتبر أخطر المراحل من حيث إمكانية اكتشافها من قبل الأجهزة الأمنية إذ أنه يصبح من شبه المستحيل التفريق بين الأموال المشروعة والأموال غير المشروعة كونها قد خضعت لعدة مستويات من التدوير وأحيانا على مدى عدة سنوات وبعد الانتهاء من هذه المرحلة واضفاء المشروعية على الأموال القذرة يصبح من الصعب الكشف عنها إلا من خلال:
·       عمل استخباراتي وبحث سري؛
·       مساعدات غير رسمية من خلال المخبرين؛
·       شيء من الحظ والمصادفة.

خاتمة:
إن طبيعة غسيل الأموال والمصالح الهائلة التي ترتبط بها يجعل منها ظاهرة من الصعب استئصالها، لكن يبقى ذلك ممكنا إدا تحقق التعاون الدولي على نطاق واسع وبالتالي إضعاف العصابات و القوى المستفيدة منها ومحاربة غسل الأموال تحتاج إلى تظافر كافة الأطراف وسد كافة الثغرات حتى يصبح ممكنا حصر الظاهرة والقضاء عليها بالمعنى الفعلي، ومادامت هناك ثغرات كبيرة متمثلة في حكومات غير متعاونة أو فساد متأصل أو دكتاتوريات لا رقابة عليها أو حروب إقليمية وفوضى أو ثغرات قانونية هنا و هناك فإن متعهدي الظاهرة سيجدون دوما وسيلة لاستغلال تلك الثغرات والمضي قدما في نشاطهم الذي تغلغل عمليا في كافة نواحي المجتمعات بما في ذلك المجتمعات المتقدمة، كما أن العصر الالكتروني في نظر البعض سيجعل غسيل الأموال مهنة أكثر تطورا.
إذا نرى أنه من الضروري إنشاء قائمة دولية للمدانين في جرائم المخدرات وغسيل الأموال و أصحاب السوابق و المشبوهين تشمل الأفراد والمؤسسات و الشركات بحيث يتم تغذية هاته القوائم من قبل وزارات العدل والداخلية بين دول العالم.




قائمة المراجع:
1.     عبد المطلب عبد الحميد، العولمة واقتصاديات البنوك، دار الجامعية، الإسكندرية، 2001؛
2.     خالد حمد محمد الحمادي، جريمة غسيل الأموال في عصر العولمة، (د.م)، 2006؛
3.     محسن أحمد الخضيري، غسيل الأموال، الظاهرة الأسباب العلاج، مجموعة النيل العربية، مصر، 2003؛
4.     محمد لمنيع، غسيل الأموال وأثرها على الاقتصاد الوطني، مذكرة ليسانس، المدية 2006؛
5.     نادر عبدالعزيز شافي، تبييض الأموال دراسة مقارنة، منشورات الحلي الحقوقية، بيروت، 2001؛
6.     دحماني جميلة، دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال، مذكرة ليسانس، المدية، 2006؛

شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق