بحث كامل عن توحيد الالوهية بالمراجع والهوامش


المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فغير خافٍ على من عنده أدنى إلمام بعلم العقيدة ما لتوحيد الألوهية من الأهمية؛ فهو توحيد العبادةِ، والعبادةُ هي الغاية المرضية والمحبوبة لله عز وجل وهي الغاية العظمى والمقصود الأسمى؛ فلأجلها خلقت الجنة والنار، وقام سوق الجهاد بين المؤمنين والكفار، ولأجلها أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل.
ثم إن توحيد الألوهية دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، ومن اقتفى أثرهم من العلماء، والدعاة والمصلحين.


(1) توحيد الألوهية
وهو إفراد الله بالعبادة ومبناه على إخلاص التأله لله تعالى في العبادات كلها ظاهرها وباطنها ، لا يجعل فيها شيء لغيره ، لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما (4)
ويمكن أن يقال : هو إفراد الله عز وجل بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولاً وعملاً ، ونفى العبادة عن كل ما سواه سبحانه كما قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [الإسراء:23] (5) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده . فلا يدعى إلا هو ، ولا يخشى إلا هو ، ولا يتقى إلا هو ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يكون الدين إلا له ، لا لأحد من الخلق وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أرباباً ، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم(1)
ويبين ابن القيم حاجة البشرية إلى توحيد الله ، وإلى هذا القسم من أقسامه خاصة فيقول : "اعلم أن حاجة العبد أن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً في محبته ولا في خوفه ولا في رجائه ولا في التوكل عليه ، ولا في العمل له ولا في الحلف به ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب ، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها ، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به .
فإن حقيقة العبد وروحه قلبه لا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئن الدنيا إلا بذكره ، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته ، ولابد لها من لقائه ، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ، ورضاه وإكرامه لها " (2)
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : " وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره وهو أول دعوة الرسل وآخرها وهو معنى قول : لا إله إلا الله ، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة ، والخشية ، والإجلال ، والتعظيم ، وجميع أنواع العبادة ، ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة ، وأرسلت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار ، وسعداء أهل الجنة ، وأشقياء أهل النار " (3).
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي " رحمه الله " : " أعظم الأصول التي يقررها القرآن ويبرهن عليها توحيد الألوهية والعبادة ، وهذا الأصل العظيم أعظم الأصول على الإطلاق ، وأكملها وأفضلها ، وأوجبها وألزمها لصالح الإنسانية ، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله ، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه ، وبوجوده يكون الصلاح ، وبفقده يكون الشر والفساد وجميع الآيات إما أمر به أو بحق من حقوقه ، أو نهى عن ضده ، أو إقامة حجة عليه أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة ، أو بيان الفرق بينهما وبين المشركين .
ويقال له : توحيد الإلهية فإن الإلهية وصفه تعالى الذي ينبغي أن يؤمن به كل بني آدم ، وهو مستلزم جميع صفات الكمال .
ويقال له توحيد العبادة باعتبار وجوب ملازمة وصف العبودية بكل معانيها للعبد بإخلاص العبادة لله تعالى ، وتحقيقها في العبد أن يكون عارفاً بربه مخلصاً له جميع عبادته محققاً ذلك بترك الشرك صغيره وكبيره " (4)
تعريف العبادة :
فالعبادة :الطاعة مع الخضوع – قال الراغب : العبودية : إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل (4)
وقال الزجاج " ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع " (1) وقال الجوهري " أصل العبودية " الخضوع والتذلل " (2)
ومن التعريف اللغوي السابق يمكن أن يقال عن العبادة الشرعية إنها : الانقياد والخضوع لله تعالى على وجه التقرب إليه بما شرع مع المحبة .
بيان إطلاقات العبادة :
للعبادة معاني بحسب ما تتعلق به ، وبحسب كونها مصدراً أو اسماً ، وبحسب المتوجه به إليه ، وبحسب ما يلاحظ فيها من حق ، فهذه أربعة إطلاقات .
عرف العلماء توحيد الألوهية بتعريفات متقاربة، إلا أن بعضها قد يكون أطول من بعض، فمن تلك التعريفات مايلي:
1_هو إفراد الله بأفعال العباد.
2_هو إفراد الله بالعبادة.
3_هو إفراد الله_تعالى_بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة، والباطنة، قولاً، وعملاً، ونفي العبادة عن كل من سوى الله_تعالى_كائناً من كان.
4_وعرفه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي×بتعريف جامع ذكر فيه حد هذا التعريف، وتفسيره، وأركانه، فقال: فأما حدُّه، وتفسيره، وأركانه فهو أن يعلم، ويعترف على وجه العلم، واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله_تعالى_.
فإذا عرف ذلك واعترف به حقَّاً أفرده بالعبادة كلها؛ الظاهرة، والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله، وحقوق خلقه.
ويقوم بأصول الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشره لله.
لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربِّه، وطلب ثوابه، متابعاً في ذلك رسول الله".
فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة، وأعماله وأفعاله ما شرعه الله ورسوله، وأخلاقه، وآدابه الاقتداءُ بنبيه"في هديه، وسمته، وكل أحواله
قال الشيخ حافظ الحكمي عن هذا النوع في منظومته سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد:
هذا وثاني نوعي التوحيد *** إفرادُ ربِّ العرش عن نديد
أن تعبد الله إلهاً واحداً   ***  معترفاً بحقه لا جاحد
توحيد الألوهية يسمى بعدة أسماء منها:
1_توحيد الألوهية كما مر وسمي بذلك، باعتبار إضافته إلى الله، أو باعتبار الموحِّد، ولأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة.
2_توحيد العبادة؛ باعتبار إضافته إلى الموحِّد وهو العبد، ولتضمنه إخلاص العبادة لله وحده.
3_توحيد الإرادة؛ لتضمنه الإخلاص، وتوحيد الإرادة والمراد، فهو مبني على إرادة وجه الله بالأعمال.
4_توحيد القصد؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
5_التوحيد الطلبي؛ لتضمنه الطلب، والدعاء من العبد لله.
6_التوحيد الفعلي؛ لتضمنه لأفعال القلوب والجوارح.
7_توحيد العمل؛ لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده.
توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد، فمن أجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وسلت سيوف الجهاد، وفرق بين المؤمنين والكافرين.
يقول الشيخ حافظ الحكمي عن أهميته في منظومته.
وهو الذي به الإله أرْسلا
 

رسله يدعون إليه أولا

وأنزل الكتابَ والتبيانا
 

من أجله وفرق الفرقانا









وكلف الله الرسولَ المجتبي
 

قتال من عنه تولى وأبى

حتى يكونَ الدينُ خالصاً له
  

سرا وجهرا دقه وجهله

وهكذا أمته قد كلفوا
 

بذا وفي نص الكتاب وصفوا([1])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً أهمية توحيد العبادة: وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها_كما قال الله_تعالى:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات: 56).
وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه:[اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ](الأعراف: 59).
إلى أن قال: وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال_تعالى_:[وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ](الأنبياء: 19، 20).
وذم المستكبرين عنها بقوله:[وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ](غافر: 60).
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال_تعالى_:[عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً](الإنسان:6) وقال:[وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً](الفرقان: 63) ([2]).
وقال في موطن آخر: واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً ليس له نظير فيقاس عليه، لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة.
فإن حقيقةَ العبدِ قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا يطمئن بالدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته، ولابد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه، ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرورٌ بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ غير منعمٍ ولا ملتذٍ له، بل قد يؤذيه اتصالُه به، ووجوده عنده، ويضره ذلك.
وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت، وأينما كان فهو معه، ولهذا قال إمامنا إبراهيم الخليل":[لا أُحِبُّ الآفِلِينَ](الأنعام: 76).
وكان أعظم آية في القرآن الكريم:[اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ](البقرة: 255)([3]).
وقال: فليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه إلا الله سبحانه ومن عبد غير الله وإن أحبه، وحصل به مودة في الحياة الدنيا، ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل الطعام المسموم([4]).
وقال: واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه([5]).
وقال: فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثرُ مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار بالاستقراء.
وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثرُ من نفعه؛ فصارت المخلوقات وبالاً عليه، إلا ما كان لله وفي الله؛ فإنه كمال وجمال للعبد.
وهذا معنى ما يروى عن النبي"أنه قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه([6])([7]).
وقال الشيخ ابن سعدي مبيناً أهمية هذا النوع: وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها، وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجنَّ والإنسَ لأجله، وخلق المخلوقات، وشرع الشرائعَ لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر بحق من حقوقه، أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين([8]).
ومما يدل على أهميته أن قبول الأعمال متوقف عليه، وأنه يتضمن جميع أنواع التوحيد فكلها تدخل فيه؛ فمن اعتقده فهو معتقد لغيره من الربوبية والأسماء والصفات، ومن اكتفى بغيره دونه لم يدخل في دين الإسلام.
الأسماء التي أُطْلقت على هذا النوع من التوحيد:
هناك عددٌ من الأسماء التي أُطْلِقت على هذا النوع من التوحيد؛ منها: تسميته بتوحيد الغاية، وأيضًا توحيد الألوهيَّة، ورُبَّما يُطْلَق عليه توحيد العبادة، وتوحيد القصْد والطَّلب، وتوحيد الشرع والقَدر، وتوحيد الإرادة.
فأمَّا تسميته بتوحيد الغاية وتوحيد العبادة؛ فلقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
فعبادة الله وحْده لا شريك له، هي الغاية التي خُلِق الناس من أجْلها، وهى أوَّل الدِّين وآخره، وظاهره وباطنه، وقد بيَّنت الآية العلَّة في خَلْق العباد بلام التعليل في قوله: ﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾؛ قال شيخ الإسلام: "هذه اللام ليستْ هي اللام التي يُسَمِّيها النحاة لامَ العاقبة والصيرورة، بل هي اللام المعروفة، وهي لام كي ولام التعليل، التي إذا حُذِفت انتصَب المصدر المجرور بها على المفعول له، وتسمَّى العلَّة الغائيَّة، وهى متقدِّمة في العلم، والإرادة متأخِّرة في الوجود والحصول، وهذه العِلَّة هي المراد المطلوب المقصود من الفعل، فمقتضى اللام في قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ الإرادة الدينيَّة الشرعيَّة، وهذه قد يقعُ مرادُها وقد لا يقعُ، فهو العمل الذي خُلِق العباد له".
فباعتبار إضافته إلى العابد يُسمَّى توحيد العبادة، ويُسمَّى أيضًا توحيد الألوهيَّة أو الإلهيَّة، وكلاهما صحيح؛ لأنه معنى قول العبد: "لا إله إلا الله"؛ إذ الإله هو: الْمَأْلُوه المعبود بجميع أنواع العبادة.
قال شيخ الإسلام: "توحيد العبادة: هو تحقيق شهادة أنْ لا إله إلا الله، أن يَقصد الله بالعبادة ويُريده بذلك دون ما سواه، وهذا هو الإسلام؛ فإن الإسلام يتضمَّن أصلَيْن؛ أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالِمًا، فلا يشركه أحدٌ في الإسلام له".
فباعتبار إضافته إلى الله تعالى يُسَمَّى توحيد الألوهيَّة؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص التألُّه - وهو أشدُّ المحبَّة - لله.
ويسمَّى توحيد القَصْد والطلب؛ لأنه يتعلَّق بنيَّة المسلم ومَطلبه في الحياة، وإنما سُمِّي بتوحيد الإرادة؛ لأنه مبنيٌّ على إرادة وجْه الله بالأعمال، وإخلاص القصْد المُستلزم إخلاصَ العبادة لله وحْده، وسُمِّي بتوحيد العمل؛ لأنه مبنيٌّ على إخلاص العمل لله وحْده؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2].
وفي الصحيح: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات..))، ومِن ثمَّ فإن توحيد القصْد والطلب، يتعلَّق بالمطالب العالية والأوامر التكليفيَّة الشريفة، فأعلى الغايات هي الوصول إلى رضا الله تعالى والقُرب منه، وأقرب الطُّرق والوسائل إليه طريقةُ الهدى وتوحيد الطريق، فلا يُعدَل عنها إلى غيرها، وتوحيد المطلوب، وهو الحق سبحانه فلا يُعْدَل عنه إلى غيره.



الخاتمة
الحمد لله الذي خلَق السموَات والأرض، وجعَل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربِّهم يَعدلون، العالِم بما كان، وما هو كائنٌ، وما سيكون، الذي إنما أمرُه إذا أرادَ شيئًا، أن يقولَ له: كن، فيكون، الذي يَخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخِيرة، سبحانه وتعالى عمَّا يُشركون، وهو الله لا إله إلاَّ هو، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحُكم وإليه تُرجعون.
سبحانه سبحانه، دلَّ على وَحدانيَّته في إلهيَّته أجناسُ الآيات، وأبانَ علمَه لخَليقته ما فيها من إحكام المخلوقات، وأظهَر قُدرتَه على بريَّته ما أبدَعه من أصناف المُحدَثات، وأرْشَد إلى فِعْله بسُنَّته تنوُّعُ الأحوال المُختلفات، وأهدى برحمته لعباده نِعَمه التي لا يُحصيها إلاَّ ربُّ السموات، وأعلَمَ بحِكمته البالغة دَلائلُ حَمْده وثنائه الذي يَستحقُّه في جميع الحالات، لا يُحصي العباد ثناءً عليه، بل هو كما أثنَى على نفسه لِما له من الأسماء والصفات، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يُماثله فيها شيءٌ من الموجودات، وهو القدُّوس السلام المُتنزه أن يَلحقه شيءٌ من الآفات، فسبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون عُلوًّا كبيرًا، الذي خلَق السموات والأرض، ولَم يتَّخذ ولدًا، ولَم يكن له شريكٌ في المُلك، وخلَق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا.
أرسَل الرُّسل مُبَشِّرين ومُنذرين؛ لئلاَّ يكون للناس على الله حُجَّة بعد الرُّسل، وكان الله عزيزًا حكيمًا، مُبَشِّرين لِمَن أطاعَهم بغاية المراد من كلِّ ما تحبُّه النفوس وتَراه نعيمًا، ومُنذرين لِمَن عصاهم باللَّعن والإبعاد وأن يُعذَّبوا عذابًا أليمًا، وأمرَهم بدعاء الخَلْق إلى عبادته وحْده لا شريكَ له، مُخلصين له الدينَ ولو كَرِه المشركون؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 51 - 52].
وجعَل لكلٍّ منهم شِرعة ومنهاجًا؛ ليستقيموا إليه ولا يَبغوا عنه اعْوِجاجًا.
وختَمهم بمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل الأوَّلين والآخرين، وصَفوة ربِّ العالمين، الشاهد البشير النذير، الهادي السِّراج المُنير، الذي أخرَج به الناس من الظُّلمات إلى النور، وهدَاهم إلى صراط العزيز الحميد؛ الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وويلٌ للكافرين من عذاب شديدٍ.
بَعَثه بأفضل المناهج والشِّرع، وأحْبَط به أصنافَ الكفر والبِدَع، وأنزَل عليه أفضلَ الكُتب والأنباء، وجعَله مُهَيمنًا على ما بين يديه من كُتب السماء.



(4) انظر " تيسير العزيز الحميد " ص : ( 36 ).
(5) "أعلام السنة المنشورة " ص : ( 40 ) .

(1) "منهاج السنة" (3/490)
(2) "طريق الهجرتين" ص(57 ، 58 )
(3) "تيسير العزيز الحميد " ص (36)
(4) "القواعد الحسان" ص: (192)
(4) " مفردات ألفاظ القرآن " ص : ( 542 )
(1) لسان العرب ( 3 / 273 ) مادة : " عبد "
(2) لسان العرب ( 3 / 271 ) ، مادة : " عبد "
([1]) سلم الوصول ص29_30.
([2]) العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص39_40 طبعة المكتب الإسلامي.
([3]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/24_25.
([4]) مجموع الفتاوى 1/24.
([5]) مجموع الفتاوى 1/28.
([6]) مجموع الفتاوى 1/29.
([7]) أخرجه الترمذي (2322)، وابن ماجه (4112)، وقال الترمذي حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3414).
([8]) انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن لابن سعدي، ص192.

شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق