بحث كامل عن حسن الخلق


حسن الخلق
مقدمة :- أنزل المولى عز وجل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفيه المنهج الذي ارتضاه الخالق لخلقه وأراد ربنا عز وجل أن يجعل هذا المنهج واقعا عمليا ملموسا عن طريق قدوة طيبة فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى للناس ليحول هذا المنهج النظري إلى واقع ملموس يمشى على الأرض فرأى الناس صدقه صلى الله عليه وسلم ... ورأى الناس رحمته ... ورأى الناس أمانته ... ورأى الناس معاملاته ... ورأى الناس أخلاقه...  فتحول القرآن الكريم على يديه إلى واقع حياة ... لذلك عندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي قالت : ( كان خلقه القرآن )
-         وتعالوا نبدأ بهذا السؤال النبوي الخطير الذي يطرحه النبي صلى الله عليه وسلم :
عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(ألا أخبركم بأحبكم الى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة ؟ أعادها مرتين
( السؤال خطير لأن القرب من النبى صلى الله عليه وسلم فى القيامة فى وسط مليارات البشر أمر ليس بالهين )..
قاوا : بلى يا رسول الله      قال : ( أحسنكم خلقا !!!)
الله أكبر ..
             الله أكبر أن دين محمد وكتابه          أقـــــــوى وأقـــــــــوم قيلا
             لا تذكروا الكتب السوالف عنده       طلع الصباح فأطفئوا القنديل
" علاقة العبادات بالأخلاق "
قد يسأل سائل : ان كان هدف البعثة المحمدية هو الأخلاق فلماذا شرع المولى عز وجل الصلاة أو الزكاة أو الحج أو الصيام ؟
ونقول : ان العبادات كلها لم تشرع لذاتها وانما لتزكية النفوس وترقية الأخلاق .. وتعالوا نرى
الصلاة :-
-         هل شرع المولى عز وجل الصلاة لذاتها ؟ أبدا .. وإنما شرعها لعلة أخرى فقال تعالى :
( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر )
دائما تذكر ربك بالصلاة فأنت اما خارج من صلاة أوفى أنتظار صلاة فعليلك أن تنتهى عن كل فحش أو منكر لذلك قبل ( من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له )
-         وانظر لما قاله أحد الحكماء عن دور الصلاة فى تهذيب النفوس وترقية الأخلاق :
( الصلاة لو لم تكن رأس العبادات لعدت من صالحة العادات .. رياضة أبدان .. وطهارة أردان .. وشتى  فضائل يشب عليها الجوراى والولدان .. أصحابها هم الصابرون وعلى الواجب هم القادرون ..
عودتهم البكور وهو مفتاح باب الرزق ... وخير ما يعالج به العبد مفاجاة الرازق ... وأفضل ما يتقرب به المخلوق من الخالق ...
انظر جلال الجمع وتأمل أثرها  فى المجتمع وكيف ساوت العلية بالزمع ..
مست الأرض الجباه فالناس أكفاء واشباه الرعية والولاة سواء فى عتبة الله ...
خر الجمع للمناخر فالصف الأول كالآخر .. لم يرفع المتقدم تقدمه ولم يضع المتأخر تأخره.)
-         ولأن الصلاة لم تشرع الا من أجل الأخلاق لذلك فأنها لا تقبل إلا بشروط ...
تجد فى كتب الفقه شروط وجوب الصلاة .. الأسلام والبلوغ والعقل
وتجد شروط صحة الصلاة .. الطهارة ... دخول الوقت .. ستر العورة .. استقبال القبلة ..
أما شروط قبول الصلاة فيدلنا عليها المولى عز وجل في حديث جامع مانع شاف واف كاف فيقول :
( انما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي .. ولم يستطل على خلقي .. ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع نهاره في ذكرى .. ورحم الأرملة والمسكين .. ورحم المصاب .. ذلك نوره كنور الشمس .. أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي ..وأجعل له في الظلمة نورا .. وفى الجهالة حلما .. ومثله بين خلقي كمثل الفردوس فى الجنة )
ست شروط لقبول الصلاة .. تنتج ست نتائج .. وتقبل بها الصلاة وكلها شروط أخلاقية
الزكاة :-
-         ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )
تزكية للمزكي : يعلم حق الله فيخرجه طائعا رحمة منه بأخيه المحتاج ووقوفا إلى جواره .
تزكية للمزكي إليه : ترفع الحسد من قلبه .
تزكية للمال : ( ما نقص مال من صدقة ).
-         وفى الذبائح والأضاحي يقول مولانا ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله
التقوى منكم )
-         لذلك ولأن المراد من الزكاة ومن الصدقة هي تزكية النفوس والأخلاق يوسع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى فيربط بين الصدقة وبين كل خلق حسن فيجعل منه صدقة فيقول صلى الله عليه وسلم
 ( تبسمك في وجه أخيك صدقة .. وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة .. وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة .. وإماطة الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة .. وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة .. وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة ) البخاري
الصيام :-
-         ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وليس لعلكم تجوعون أو تعطشون ..
-         إذا ليس الهدف منه حرمان العبد من الأكل والشرب وإنما تهذيب النفوس ..
قال الإمام الغزالي : كم من صائم  مفطر وكم من مفطر صائم
-         وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )
-         وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام عن الأكل والشرب وإنما الصيام عن اللغو والرفث فان سابك أحد أو جهل عليك فقل : انى صائم )
الحج :-
( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب )
يلخص المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ما سبق فى حديث واحد فيقول صلى الله عليه وسلم :
( ان المسلم المسدد (المقتصد فى العباده ) ليدرك درجة الصوام القوام بحسن خلقه وكرم  ضريبته ) رواه أحمد           و(ضريبته ) أى طبيعته
"ولنقلب الأمر على وجهه الآخر"
...فسؤ الخلق دليل ضعف الإيمان وسبب الهلاك في الآخرة...
-         يقول صلى الله عليه وسلم (الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
لا يمكن ان يكون هناك مؤمن قليل الأدب
-         ويوضح لنا النبى صلى الله عليه وسلم نتائج سؤ الخلق وعاقبته فى حديث تحفظونه جميعا ولكننا لا نقف عنده
(يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابة فيقول : أتدرون من المفلس ؟
قالوا : المفلس من لا متاع له ولا درهم ولا دينار ...
قال : لا المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا.. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح هو فى النار )
يارب أين صلاتى .. أين زكاتى .. أين صيامى ..أين حجى .. أين برى .. أين صلة رحمى ؟ أخذها أصحاب الحقوق عليك
يارب لم أزنى لم أسرق فلماذا على هذه الأوزار ؟ هذه أوزار من ظلمتهم ولا نجد لهم حسنات عندك
" القدوة الحسنة "
اذا لم نتعلم الأخلاق من محمد صلى الله عليه وسلم فممن نتعلمها ؟
( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر )
تعالوا نرى كيف كان يتعامل النبى مع الناس وكيف كانت أخلاقه ..
-         عن انس رضى الله عنه قال :
( كانت الأمة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ..وكان اذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى ينزع الرجل يده .. ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يصرف الرجل وجهه ... ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس له ) الترمذى
-         وعن انس رضى الله عنه قال :
( كنت امشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فأدركه أعرابى فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت الى صفحة عاتق رسول الله وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته ثم قال : يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك فليس المال مالك ولا مال امك ولا مال أبيك .. فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك فى وجهه وامر له بعطاء ) البخارى
-         حتى مع اليهود :
-         كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وان الله تعالى ليبغض الفاحش البذئ ) الترمذى
لذلك لما كان اليهود يمرون على النبى صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليك يا محمد (والسام اى اللعنة )
فيرد النبى صلى الله عليه وسلم : (وعليكم )   فتقول لهم عائشة : وعليكم السام واللعنة يا أبناء القردة والخنازير
فيقول لها المصطفى صلى الله عليه وسلم : يا عائشة عليك باللين وإياك والفحش
قالت : يا رسول الله أو ما تسمع ما قالوا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : (أو لم تسمعى ما قلت ؟ قلت وعليكم ... فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في )
-         وقد روى أن يهوديا اسمه زيد بن سعنه كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين
فأراد أن يطلب دينه قبل حلول أجله ..
فأعترض طريق النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وقال : يا محمد أد ما عليك فإنكم بنو عبد المطلب قوم مطل
فقام عمر بن الخطاب غاضبا إلى الرجل ليؤدبه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
(يا عمر أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك .. مره بحسن الطلب ومره بحسن الأداء اذهب يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من التمر ..)
ونطق اليهودى بالشهادة ...
فسألوه .. فقال : لقد قرأت أو صاف النبى فى التوراة فوجدتها كله متحققة فى محمد إلا خصلة واحدة أردت أن اجربها وهى أن شدة الجهل عليه لا تزيده الا حلما ( أي انه يدفع السيئة بالحسنة) فوجدتها متحققة أيضا فيه ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم )
فما هي أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟
( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ... أنت عبدي ورسولي.. سميتك المتوكل ... ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ... ولا يتبع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله إليه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا اله إلا الله ... فيفتح بها أذانا صما .. وأعينا عميا ... وقلوبا غلفا )
هذه هى أخلاق حبيبكم ..
                  ومما زادنى شرفــــــــا وتيها          وكدت بأخمصى أطأ الثريا
                  وقوعي تحت لفظك يا عبادي          وأن صيرت أحمد لى نبيا  

الخاتمة
ورد في فضل الأخلاق في القرآن الكريم، والسنة النبوية العديد من الأحاديث والآيات الكريمة التي تبيّن فضلها ومكانتها في ميزان الله سبحانه، فإنّ تجمّل الإنسان بالأخلاق الحسنة، وظهورها على شخصه في رضاه وغضبه، وسائر أحواله يعدّ من أعظم القُربات لله تعالى، حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حَسنٍ)،[١] وقال النبيّ أيضاً مُوصياً عبد الله بن عمرو: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتَك من الدُّنيا حفظُ أمانةٍ، وَصِدْقُ حديثٍ، وحُسنُ خلقٍ، وعفَّةٌ في طُعمةٍ)،[٢] فكان حُسن الخلق جامعاً لفضل وخيري الدنيا والآخرة كما في الحديثين السابقين، فالحديث الأول يُظهر أنّ حسن الخلق قد يكون سبباً في النجاة من النّار إلى الجنّة بوزن الخلق الرفيع، وفي سياق الحديث الآخر أنّ المرء إذا بلغ مراتباً عليا في خلقه فلا يضرّه ما فاته بعد ذلك من الدنيا.[٣] وأوصى الله -سبحانه- عباده بالتمسّك بأحسن الأخلاق، وفصّل بعضها في آياتٍ كريمةٍ، كقوله سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)،[٤] وفي موضعٍ آخرٍ امتدح الله -سبحانه- نبيّه لخلقه الكريم فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[٥] ولقد ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يسأل الله -سبحانه- أن يمتّعه بالخلق الجميل والصفات العظيمة، فورد عنه دعاء: (واهدِني لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلّا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها لا يصرفُ عني سيِّئَها إلّا أنت)،[٦] وللمؤمنين قدوةً في نبيهم -عليه السلام- أن يسألوا الله -سبحانه- خير الأخلاق، وأن يجنّبهم شرّها؛ لينالوا الفضل والأجر من ربّهم عزّ وجلّ.


شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق