المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن هدفي لكتابة هذا البحث هو النصح و
التذكير التي تساهل بها الكثير من المسلمين وهي الربا ..
أود أن أعرض بعض أنواع الربا في موضوعي وهي :. ارلبا في البيوع الربا
من المحرمات الشديدة والذنوب الموبقة التي أكد الكتاب المجيد والسنّة الشريفة على الردع
عنها، حتى عد في النصوص الكثيرة من الكبائر الخمس أو السبع التي يظهر من النصوص أنها
أكبر الكبائر، وفي الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «درهم ربا أشد من
سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام» وفي بعض النصوص أنه: سبعون جزءاً أيسرها
مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام، وأنه أخبث المكاسب، وأن صاحبه لا يزال في
لعنة الله تعالى والملائكة ما كان عنده منه قيراط، وأنه إذا أراد الله بقوم هلاكاً
ظهر فيهم الربا، إلى غير ذلك. وقد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه
يشترك في إثمه الآكل والمعطي والكاتب والشاهد.
وقد سئل شيخ الإسلام
عن بيع الاكاديس الإفرنجية بالدراهم الإسلامية ، مع العلم بأن التفاوت بينهما يسير
لا يقوم بمؤنة الضرب ، بل فضة هذه الدراهم أكثر ، هل يجوز المقابضة بينهما ؟ أم لا
؟ فأجاب : هذه المقابضة تجوز في أظهر قولي العلماء ، والجواز فيه له مأخذان : بل ثلاثة
: أحدهما : إن هذه الفضة معها نحاس ، وتلك فضة خالصة ، والفضة المقرونة بالنحاس أقل
، فإذا بيع مائة درهم من هذه بسبعين مثلا من الدراهم الخالصة فالفضة التي في المائة
أقل من سبعين ، فإذا جعل زيادة الفضة بإزاء النحاس جاز على أحد قولي العلماء الذين
يجوزون مس أ لة ( مد عجوة ) كما مذهب أبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين . ثم ذكر
حديث القلادة الآنف الذكر و قال : وكذلك إذا لم يعلم مقدار الربوي ، بل يخرص خرصا ،
مثل القلادة التي بيعت يوم حنين ، وفيها خرز معلق بذهب ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم ( لاتباع حتى تفصل ) فإن تلك القلادة لما فصلت كان ذهب الخرز أكثر من ذلك الذهب
المفرد ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع هذا بهذا حتى تفصل ، لأن الذهب المفرد
يجوز أن يكون أنقص من الذهب المقرون ، فيكون قد باع ذهبا بذهب مثله ، وزيادة خرز ،
وهذا لا يجوز .
تعريفه:
لغة: هو مصدر ربا يربو إذا زاد ونما، فهو بمعنى
الفضل والزيادة والنماء، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴾ [الحج: 5]، أي ارتفعت وزادت
عما كانت عليه قبل نزول الماء، وقال - تعالى -: ﴿ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى
مِنْ أُمَّةٍ ﴾ [النحل: 92]، أي أكثر عددًا وقوة، وقال سبحانه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، أي يضاعفها ويباركها.
اصطلاحًا:
عرف بتعاريف مختلفة:
• قال الحنفية: هو الفضل الخالي عن العوض بمعيار
شرعي بشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة[1].
• وقال المالكية والشافعية في تعريف الربا: هو عقد
على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع التأخير في البدلين
أو أحدهما[2].
• وقال الحنابلة: هو الزيادة في أشياء مخصوصة[3].
حكمه:
الربا محرم في جميع الأديان السماوية، وجاء تحريمه
في الإسلام بأدلة قاطعة من القرآن والسنة والإجماع.
• فمن القرآن: قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]، وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ
لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ
رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278-279]، فظاهر
ارتباط النهي في هذه الآيات بالتحذير والوعيد الشديد والإعلام بالحرب من الله ورسوله
- صلى الله عليه وسلم - على المرابين دليل قاطع على حرمة الربا، وعلى عظم مفاسده، ومضاره
على الناس من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
• ومن السنة أحاديث كثيرة نختار
منها:
((اجتنبوا
السبع الموبقات -وعدّ منها: أكل الربا)) متفق عليه.
((لعن الله
آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه)).
وروى الدارقطني عن عبد الله بن حنظلة أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال: ((لدرهم ربا أشد عند الله - تعالى - من ست وثلاثين زنية
في الخطيئة)).
ولقد أجمعت الأمة على أن الربا محرم، وقال الماوردي:
"حتى قيل: إنه لم يحل في شريعة قط"؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا
وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ﴾ [النساء: 161]، يعني في الكتب السابقة[4].
أصول البيوع التي حرمها الله
ورسوله هي:
1- أن يكون المبيع محرم العين كالخمر، والخنزير،
والأصنام.
2- أن يكون البيع من بيوع الربا.
3- أن يكون البيع من بيوع الغرر.
4- أن يشتمل البيع على شرط يؤول إلى الربا، أو إلى
الغرر، أو إليهما معاً.
5- أن يكون الشرط مناقضاً لمقتضى العقد.
فهذه الأصول تجمع البيوع المحرمة.
الربا: هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا.
أقسام الربا وحكم كل نوع منها:
الربا قسمان:
1- ربا النسيئة (ويعرف بربا الديون).
2- ربا الفضل (ويعرف بربا البيوع).
وزاد الشافعية قسمًا ثالثًا سموه (ربا اليد).
وسوف نفصل الكلام في كل نوع من هذه الأنواع مع الأنواع
الأخرى المستجدة والمتعلقة بالبنوك وغيرها من المعاملات المفضية للربا...
خطورة الربا[5]:
لقد حرم الإسلام ومعه كل الشرائع السماوية الربا؛
لما فيه من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية، وسنتحدث عنهما بشيء من الإيجاز.
فالأضرار الاقتصادية تكمن في أن الربا وسيلة غير
سليمة للكسب لما يلي:
أ- الفائدة التي يحصل عليها المرابي لا تأتي نتيجة
عمل إنتاجي؛ بل استقطاع من مال الفرد، أو من ثروة الأمة دون أن ينتج ما يقابله.
ب- الفائدة تدفع فئة من الأمة إلى الكسل والبطالة،
وتمكنهم من زيادة ثروتهم بدون جهد وعناء.
ج- الربا يؤدي إلى ظاهرة التضخم في المجتمع.
د- إثقال كاهل المقترضين عند العجز عن التسديد لتضاعف
سعر الفائدة المحرمة شرعًا.
الأضرار من الناحية الاجتماعية:
أ- الربا يستغل حاجة المحتاجين ويلحق بهم الكثير
من الأضرار دون اختيار منهم.
ب- ينمي الضغائن والأحقاد بين الناس لعدم اقتناع
المقترض بما أخذ منه مهما كانت حاجته ورغبته فيه.
ج- يلغي معاني الفضيلة والتعاون على البر والتقوى.
د- الربا ظلم، والله - تعالى - حرم الظلم.
حكم البيع ومشروعيته
ثبتت مشروعية البيع كأسلوب لتبادل المنافع بين الناس
في كتاب الله، وسنَّة نبيه، وإجماع المسلمين، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (وَأَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).[١]ففي تلك الآية الكريمة دلالة واضحة على حلِّ
البيع توسعة على العباد وتحقيقاً للتكامل بينهم، أمّا في السنة النبوية فقد ثبتت مشروعية
البيع في أحاديث عدّة من بينها قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل أي الكسب أطيب فقال:
(عمل الرجل بيده، وكلّ بيع مبرور).[٢]والبيع المبرور هو البيع الخالي من الغش والخيانة
قواعد شرعية في تمييز البيوع
المحرمة
هناك قواعد شرعيّة تُعين المسلم على معرفة العقود
المحرّمة، فقد حرمت الشريعة كلّ ما فيه أكل لأموال الناس بالباطل، أو ما يكون فيه الغرر
والجهالة التي تفضي إلى العداوة والبغضاء، وكذلك البيوع المشتملة على الربا المحرم،
أو الميسر، ومن ذلك بيع العينة، وبيع الدين، أو بيع الشيء المجهول أو ما لا يستطيع
الإنسان قبضه.
مسألة مشهورة في ربا البيوع
:
وهي هل
يجوز شراء الذهب بالفيزا إذا كانت القيمة تخصم فورا من حساب المشتري ، فنقول : نعم
إذا كان يخصم فورا ، فكأنه تقابض . وكذلك ترد مسألة الحوالات للعملات بين الدول ، فمن
يريد تحويل الدينار إلى جنيه في مصر ، وتصل إلى مصر بعد يومين أو أكثر ، فهل يصح ذلك
مع أننا نعلم أنه يشترط التقابض في المجلس ؟ لأنهما مشتركان في علة الربا فكلاهما من
نفس المجموعة التي علتها الثمنية ؟ قال بعض العلماء أن الحوالة لا تصح ، ولكن الحاجة ملحة ،
وهي حاجة عامة ، فتنزل منزلة الضرورة
. ولا ريب أن هذا صحيح ، ذلك أن بعض الدول
يقوم اقتصادها على تحويل العملة من الخارج
. وقال بعض العلماء أن هذه العملية وهي الحوالة
، تتضمن صرفا أي تبايعا بين عملتين ، وتوكيلا من أحد الطرفين للطرف الآخر ، أو استئجارا
له ، بالقيام بإرسال العملة التي اشتراها ،
إلى بلد أخر مقابل عمولة ، فهي عملية جائزة لا إشكال فيها ، من يأخذ منك الدينار ثم
يحوله إلى جنيه فكأنك قبضت الجنيه ، ثم وكلته
عنك في توصيل هذا المال إلى بلدك ، وهذا تخريج صحيح ويرفع الحرج خاصة في هذا الزمان
، إن شاء الله تعالى . *** ومثال آخر : لديك
بطاقة ائتمان ( فيزا ) وسافرت وانقطع بك السبيل ، فيمكنك أن تسحب على بطاقتك على المكشوف
من عملة ثانية ، فيعطونك بالدولار ثم يأخذون من رصيدك بالدينار مع فارق العملة ويعتبرونه
بيعا ، فهل حصل التقابض هنا ، ومن أهل العلم
من قال إن هذه العملية ، مركبة من أن المصرف
يداينك الدنانير ثم يقوم بالصرف مع البنك الذي سحبت منه بالفيزا ، ويتوكل عنك في هذا
البيع ، وتستلم أنت العملة الأخرى ، ثم يأتي
فيما بعد ، ويقبض دينه ، ويأخذ أجر وكالته
، فأجازوه من هذا الباب . *** كما أثيرت هنا
مسألة شراء الذهب بالشيك ، ولكن الشيك لا يفي
بشرط التقابض ، فإنه لو كان بغير رصيد لا يستفيد منه ، وإنما يحب التقابض بالمال والشيك ليس مالا بل ورقة
تأخذ بموجبها المال ، ولذا فشراء الذهب بالشيكات لا يجوز . *** لكن بعض الناس يقول
: يمكن لصاحب محل الذهب أن يتصل بالبنك ، ويتأكد من وجود ر صيد للشيك ، ويحجز المبلغ
من رصيد العميل لصالحه ، بالاتفاق مع البنك على طريقة يتم بها ذلك ، ففي هذه الحالة
نقول يجوز ، ويكون بمثابة التقابض. **** وأما التبايع بين الأموال الربوية وغير الربوية فلا يشترط
أيضا التماثل في الوزن ولا الكيل ولا التقابض في المجلس ، مثلا تشتري سيارات بأوراق
نقدية ، أو تشتري ثياب بذهب ، وأكثر التبايع إنما يكون في هذه الدائرة التي لايجري
فيها ربا البيوع . **** وكذلك داخل الأموال
غير الربوية : وهي كل الأموال غير الأموال الربوية ، كالخام والطابوق والسيارات والفاكهة
وغيرها ، كلها لا يشترط بينها ، التماثل ولا التقابض . * ويرد سؤال : هل هناك أموال
نضيفها على الأموال الربوية أم هي مقصورة على هذه الأصناف الستة ؟ هناك أقوال عدة لأهل
العلم : 1- مذهب الظاهرية أنها الأصناف
الستة فقط ( الذهب ، الفضة ، البر ، الشعير ، التمر ، الملح ) . 2- قال بعض العلماء كل ما يجري فيه الكيل يضاف إلى
الأصناف الأربعة البر الشعير والتمر والملح ، وقال بعضهم ما يجري فيه الوزن ، وقال
غيرهم كل مطعوم . 3- وبعضهم كالأحناف زاد
فقال كل خارج من الأرض . 4- ومنهم من قال
مجموع الكيل أو الوزن مع كونها مطعومة ، فيدخل هنا في المجموعة ب : الأرز والفول والعدس
والذرة والسكر والعسل والحليب ، فهي مكيلة أو موزونة مطعومة . أما علة جريان الربا في المجموعة ( أ ) فهي الثمنية
، فكون الذهب والفضة أثمانا للأشياء أجرى فيها الربا ، ولذا قيل إن الأوراق النقدية
أيضا أثمان فيجري فيها الربا ، وهذا هو الصحيح ، وقد اتفق عامة فقهاء العصر على أن
الأوراق النقدية ، تقاس على الذهب والفضة ، وتجري عليها أحكامها في الزكاة والربا ،
وهذا هو الصحيح الذي لا يستقيم سواه . و
أحكام ربا البيوع ، مأخوذة من حديث أبي سعيد
الخدري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر
والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فمن زاد أو استزاد
فقد أربى ) وفي رواية ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد
) ، رواه البخاري هذا مع اشتراكهم في علة الربا في نفس المجموعة والله أعلم . *****
وهنا قاعدة مهمة جدا في باب الربا وهي : أن الجهل بالتماثل بمنزلة العلم بالتفاضل . وهذا يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم : (
... مثلا بمثل سواء بسواء ) في البيع بين
أفراد الصنف الواحد ، أن جهلنا بكونهما متساويين ، هو كعلمنا بتفاضلهما . ونذكر بعض الأمثلة : المثال
الأول : بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه لا يجوز . المثال الثاني : بيع الرطب باليابس
من جنسه ( المزابنة ) لا يجوز . ومثاله بيع التمر بالرطب ، والزبيب بالعنب ، فلا يجوز
حتى عند التماثل ، لأنهما في الحقيقة تماثل في الظاهر ، ولكنه م ا غير متماثلين ، فأحدهما
معه من غير جنسه عندما يكون رطبا ، فإن معه الماء
. المثال الثالث : بيع اللحم باللحم بعظمه لا يجوز ، وقد ورد النهي عن بيع الحيوان
باللحم لهذا السبب. ذلك أن وجود العظم يؤدي إلى عدم العلم بالتماثل ، وكذا الرطب باليابس
، فلا يعلم تساويها ، فهو كعلمنا بتفاضلهما ، وحتى لو قلنا نزيد العنب قليلا فلا سبيل
لمعرفة التماثل بالضبط . ولكن هنا استثناء مهم ، وهو استثناء بيع التمر بالرطب فقط ، حيث كان التمر هو القوت
الأساسي في زمن النبوة ، كما قالت عائشــــــــة
رضي الله عنها : ( والله يا ابن أختي ! إن كنا لننظر إلى الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال
؛ ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقد في أبيات رسول الله نار .قلت :يا خالة ! فما كان
يعيشكم ؟ قالت : الأسودان : التمر والماء ، إلا أنه كان لرسول الله جيران من الأنصار
، وكانت لهم منايح ، فكانوا يرسلون إلى رسول الله من ألبانها فيسقيناه ) [ متفق عليه
] ، وتأملوا يا أخواني أولئك الرجال الذين كان أكثر طعامهم التمر والماء ، كما ورد
في الأثر : ( كنت جالساً مع أبي هريرة بأرضه
بالعقيق ، فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب فنزلوا ، قال حميد : فقال أبو هريرة
: اذهب إلى أمي وقل لها : إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئاً، قال: فوضعت ثلاثة
أقراص من شعير وشيئاً من زيت وملح في صحفة، فوضعتها على رأسي، فحملتها إليهم، فلما
وضعته بين أيديهم، كبر أبو هريرة وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن
طعامنا إلا الأسودان؛ التمر والماء، فلم يصب القوم من الطعام شيئاً ! فلما انصرفوا
قال: يا ابن أخي! أحسن إلى غنمك ، وامسح الرغام عنها، واطلب مراحها، وصل في ناحيتها؟
فإنها من دواب الجنة، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان ، تكون الثلة من
الغنم، أحب إلى صاحبها من دار مروان ) [ رواه البخاري في الأدب المفرد ] ، كيف أن أولئك
الرجال الذين كان هذا طعامهم فتحوا الدنيا ومل ؤ ها نورا وعلما وهدى . والمقصود أن
الرطب أحسن من التمر ، ومن الناس من لديه التمر ويريد الرطب وليس لديه نقود ، فهنا
حاجة ماسة للحصول على الرطب وهي حاجة عامة .
الفرق بين البيع والربا:
لقد حاول المرابون - قديمًا وحديثًا - أن يوهموا
غيرهم وربما أنفسهم بأن البيع مثل الربا، فكان رد القرآن عليهم حاسمًا وجازمًا، قال
- تعالى -: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، فالفرق
بينهما شاسع.
• الفرق بين الحلال الطيب الذي يؤجر صاحبه، وبين
الحرام الخبيث الذي يؤزر صاحبه.
• البيع مبادلة عين بثمن، أما الربا فهو الزيادة
على الثمن عند حلول الأجل وتعذر التسديد.
• البيع تبادل المنافع برضا الطرفين، أما الربا
فهو استغلال الغني لحاجة الفقير وعجزه عن الوفاء.
• الربح في البيع مقابل الجهد والتعب في التجارة،
أما في الربا فهو مقابل الزمن فليس له حينئذ عوض معتبر شرعًا، ولا تعب ولا جهد.
• البائع والتاجر قد يربح وقد يخسر، أما المرابي
فربحه مؤكد مضمون وقد يزيد مع الزمن.
• البيع عام يتناول كل السلع، أما الربا فهو في
هذا الزمان يتعلق أساسًا بالنقود فقط، ويقوم على توليد النقد من النقد، وهذا خلاف المقصود
من النقود وهي ثمن المبيعات.
• البيع يسد حاجات الناس، والربا يستغلهم؛ بل إن
المرابين قد يرتبون لاحتياج الناس ثم يستغلونهم.
• إن البيع يؤدي إلى الإثراء والإنعاش الاقتصادي،
بينما يؤدي الربا إلى تخريب الاقتصاد.
• الربا يؤدي إلى النزاع والحقد والحسد والشقاق
بين الناس، وليس شيء من ذلك في البيع؛ لأن الأصل في البيع التبادل بين الناس، واشترط
في البيع المساواة والعدل بين القيمة والسلعة - قدر الإمكان.
وإلى غير ذلك من الفروق الجلية بين البيع والربا
والتي تدل على أن الأول حلال طيب، وأن الثاني خبيث ومحرم.
الخاتمة :-
قال الله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لاتأكلوا
الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ) وقال الله تعالى ( الذين يأكلون الربا لايقومون
إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس) فنسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا
والآخره.
وقد سئل شيخ الإسلام عن بيع الاكاديس الإفرنجية
بالدراهم الإسلامية ، مع العلم بأن التفاوت بينهما يسير لا يقوم بمؤنة الضرب ، بل فضة
هذه الدراهم أكثر ، هل يجوز المقابضة بينهما ؟ أم لا ؟ فأجاب : هذه المقابضة تجوز في
أظهر قولي العلماء ، والجواز فيه له مأخذان : بل ثلاثة : أحدهما : إن هذه الفضة معها
نحاس ، وتلك فضة خالصة ، والفضة المقرونة بالنحاس أقل ، فإذا بيع مائة درهم من هذه
بسبعين مثلا من الدراهم الخالصة فالفضة التي في المائة أقل من سبعين ، فإذا جعل زيادة
الفضة بإزاء النحاس جاز على أحد قولي العلماء الذين يجوزون مس أ لة ( مد عجوة ) كما
مذهب أبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين . ثم ذكر حديث القلادة الآنف الذكر و قال
: وكذلك إذا لم يعلم مقدار الربوي ، بل يخرص خرصا ، مثل القلادة التي بيعت يوم حنين
، وفيها خرز معلق بذهب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لاتباع حتى تفصل ) فإن تلك
القلادة لما فصلت كان ذهب الخرز أكثر من ذلك الذهب المفرد ، فنهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن بيع هذا بهذا حتى تفصل ، لأن الذهب المفرد يجوز أن يكون أنقص من الذهب المقرون
، فيكون قد باع ذهبا بذهب مثله ، وزيادة خرز ، وهذا لا يجوز .
الحاشية
[1] حاشية ابن عابدين (4/184).
[2] القوانين الفقهية (164)، مغني المحتاج
(2/21).
[3] كشاف القناع (3/251).
[4] انظر: المهذب (1/270)، المغني (4/1).
[5] انظر: الربا وأثره على المجتمع الإنساني
(93).
• أضرار الربا وآثاره في ضوء الكتاب والسنة
لسعيد القحطاني (52-55).
• الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب.
المراجع:-
[1] أخرجه البخارى (5142) ك النكاح ، باب لا يخطب
على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ، ومسلم (1412) ك البيوع ، باب تحريم بيع الرجل على
بيع الرجل وسومه على سوم أخيه – واللفظ له -
[2] أخرجه النسائي عن ابن مسعود ، و صححه
السيوطي والألباني “صحيح الجامع [5] “ ، “ تخريج الترغيب 3/49 “ }
[3] متفق عليه أبو داود النسائي عن أبي
هريرة ، وهو في صحيح الجامع [144] ، “ الإرواء/ 1202 ، 1335 ، 2365 “ }
(4) كتاب الدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر
الفهرس
الموضوع
|
الصفحة
|
المقدمة
|
1
|
تعريفه:
|
2
|
عرف بتعاريف مختلفة:
|
2
|
حكمه:
|
3
|
أصول البيوع التي حرمها الله ورسوله هي:
|
3
|
حكم البيع ومشروعيته
|
4
|
قواعد شرعية في تمييز البيوع المحرمة
|
5
|
أقسام الربا وحكم كل نوع منها:
|
5
|
خطورة الربا
|
6
|
مسألة مشهورة في ربا البيوع :
|
7
|
الفرق بين البيع والربا:
|
8
|
الخاتمة :-
|
9
|
الحاشية
|
10
|
المراجع:-
|
11
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق