عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِية بن عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب:
أمه: أم عوْن بنت عوْن بن العباس، ووَلَدَ عبدُ الله بن معاوية: جعفرًا
لا عقب له، وأمه: هنَّادة بنت الشرقيّ بن عبد المؤمن، من بني تميم، وذكر ابن سعد أن
عبد الله بن معاوية خرج بالكوفة في خلافة مروان بن محمد، فبعث إليه مروان جندًا، فلحق
بأصبهان، فغلب عليها، وعلى تلك الناحية، واجتمع إليه قوم كثير، وذلك في سنة إحدى وثلاثين
ومائة، ثم قتل بجَيّ، ويقال: بل هرب، فلحق بخراسان، وأبو مسلم يدعو بها، فبلغه مكانه،
فأخذه، فحبسه في السجن حتى مات.
ثورته على الخلافة الأموية
بايع نفسه بخراسان بعد ثورة زيد وثورات بعض الشيعة وانضم اليه شيعة الكوفة
لقتال الأمويين في الحيرة وخذلوه الشيعة عندما نشب القتال ولم يثبت معه سوى ربيعة و
الزيدية فارتحل لفارس ونضم جيشه من الموالي والعبيد والشيعة و العباسيين الثائرين والأمويين
الناقمين على مروان و بعض الخوارج. وقال ابن عساكر: وقد كان عبدالله بن معاوية بن عبدالله
بن جعفر بن أبي طالب وبويع له بالخلافة بأصفهان في سنة سبع وعشرين ومائة في خلافة مروان
بن محمد وملك فارس وكرمان وكثر تبعه وجيء بالأموال الخ.. .
خروج عبد الله بن معاوية على بني أمية:
حدثنا بالسبب في خروجه أحمد بن
عبيد الله بن عمارٍ قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمه عيسى، قال ابن عمار
وأخبرنا أيضاً ببعض خبره أحمد بن أبي خيثمة عن مصعبٍ الزبيري، قال ابن عمار وأخبرني
أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشهاب بن عبد الله وغيرهما، قال
ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره. قال أبو الفرج الأصبهاني: ونسخت أنا
أيضاً بعض خبره من كتاب محمد بن علي بن حمزة عن المدائني وغيره فجمعت معاني ما ذكروه
في ذلك كراهة الإطالة: أن عبد الله بن معاوية قدم الكوفة زائراً لعبد الله بن عمر بن
عبد العزيز ومستميحاً له، فتزوج بالكوفة بنت الشرقي بن عبد المؤمن بن شبث بن ربعي الرياحي،
فلما وقعت العصبية أخرجه أهل الكوفة على بني أمية، وقالوا له: اخرج فأنت أحق بهذا الأمر
من غيرك، واجتمعت له جماعة، فلم يشعر به عبد الله بن عمر إلا وقد خرج عليه. قال ابن
عمارٍ في خبره: إنه إنما خرج في أيام يزيد بن الوليد، ظهر بالكوفة ودعا من آل محمد
صلى الله عليه وسلم ولبس الصوف وأظهر سيمى الخير، فاجتمع إليه وبايعه بعض أهل الكوفة،
ولم يبايعه كلهم وقالوا: ما فينا بقية قد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت، وأشاروا عليه
بقصد فارس وبلاد المشرق فقبل ذلك، وجمع جموعاً من النواحي، وخرج معه عبد الله بن العباس
التميمي. قال محمد بن علي بن حمزة عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة:
إن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا إلى نفسه، وعلى الكوفة يومئذ عامل
ليزيد الناقص يقال له عبد الله بن عمر، فخرج إلى ظهر الكوفة مما يلي الحرة، فقاتل ابن
معاوية قتالاً شديداً. قال محمد بن علي بن حمزة عن المدائني عن عامر بن حفصٍ، وأخبرني
به ابن عمار عن أحمد بن الحارث عن المدائني: أن ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن
معاوية من وعده عنه مواعيد على أن ينهزم عنه وينهزم الناس بهزيمته، فبلغ ذلك ابن معاوية،
فذكره لأصحابه وقال: إذا انهزم ابن حمزة فلا يهولنكم، فلما التقوا انهزم ابن حمزة وانهزم
الناس معه فلم يبق غير ابن معاوية، فجعل يقاتل وحده ويقول:
تفرقت الظباء على خداشٍ
*** فما يدري خداش ما يصيد
ثم ولى وجهه منهزماً فنجا، وجعل يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه، حتى
صار في عدة، فغلب على ماه الكوفة وماه البصرة وهمذان وقم والري وقومس وأصبهان وفارس،
وأقام هو بأصبهان. قال: وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر،
فدخل دار الإمارة بنعل ورداء واجتمع الناس إليه، فأخذهم بالبيعة؛ فقالوا: علام نبايع؟
فقال: على ما أحببتم وكرهتم، فبايعوا على ذلك .
وكتب عبد الله بن معاوية فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة عن عبد الله بن
محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن جعفر بن الوليد
مولى أبي هريرة ومحرز بن جعفر: أن عبد الله بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه
لا إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، قال: واستعمل أخاه الحسن على إصطخر، وأخاه
يزيد على شيراز، وأخاه علياً على كرمان، وأخاه صالحاً على قم ونواحيها، وقصدته بنو
هاشم جميعاً منهم السفاح والمنصور وعيسى بن علي. وقال ابن أبي خيثمة عن مصعب: وقصده
وجوه قريش من بني أمية وغيرهم، فممن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك
وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان، فمن أراد منهم عملاً قلده، ومن أراد منهم صلة
وصله .
وجه إليه مروان بن محمد جيشاً لمحاربته بقيادة ابن ضبارة: فلم يزل مقيماً
في هذه النواحي التي غلب عليها حت ولي مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار، فوجه
إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية
أصحابه وحضهم على الخروج إليه، فلم يفعلوا ولا أجابوه، فخرج على دهشٍ هو وإخوته قاصدين
لخراسان وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر ابن سيار فلما صار في بعض الطريق نزل على
رجل من التناء ذي مروءة ونعمة وجاهٍ ، فسأله معونته، فقال له: من أنت من ولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ أأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان؟ قال: لا، قال فلا حاجة
لي في نصرتك .
التجأ إلى أبي مسلم فحبسه: فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته، فأخذه أبو
مسلم وحبسه عنده، وجعل عليه عيناً يرفع إليه أخباره، فرفع إليه أنه يقول: ليس في الأرض
أحمق منكم يا أهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن
تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه، والله ما رضيت الملائكة الحرام من الله تعالى بهذا حتى
راجعته في أمر آدم عليه السلام، فقالت: ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ” حتى
قال لهم: ” إني أعلم ما لا تعلمون ” .
كتابه إلى أبي مسلم وهو في حبسه: ثم كتب إليه عبد الله بن معاوية رسالته
المشهورة التي يقول فيها: إلى أبي مسلم، من الأسير في يديه، بلا ذنب إليه ولا خلاف
عليه. أما بعد فإنك مستودع ودائع، ومولى صنائع؛ وإن الودائع مرعية، وإن الصنائع عارية؛
فاذكر القصاص، واطلب الخلاص؛ ونبه للفكر قلبك، واتق الله ربك، وآثر ما يلقاك غداً على
ما لا يلقاك أبداً، فإنك لاقٍ أما سلفت، وغير لاقٍ ما خلفت، وفقك الله لما ينجيك، وآتاك
شكر ما يبليك .
مقتله
قتله أبو مسلم ووجه برأسه إلى ابن ضبارة: قال: فلما قرأ كتابه رمى به.
ثم قال: قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو محبوس في أيدينا، فلو خرج وملك أمرنا
لأهلكنا، ثم أمضى تدبيره في قتله. وقال آخرون: بل دس إليه سماً فمات منه، ووجه برأسه
إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان، فأخبرني عمر بن عبد الله العتكي قال: حدثنا عمر بن
شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أن عبد العزيز بن عمران حدثه عن عبد الله بن الربيع عن
سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم الزاب وهو يقاتل عبد الله بن علي،
فسأل عنه فقيل له: هو الشاب المصفر الذي كان يسب عبد الله ابن معاوية يوم جيء برأسه
إليك فقال: والله لقد هممت بقتله مراراً، كل ذلك يحال بيني وبينه، ” وكان أمر الله
قدراً مقدوراً ”
نت الزنادقة
من خاصته: حدثني أحمد بن عبد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه قال: كان
عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة، فاستكتبه ابن معاوية، وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس،
وكان زنديقاً مأبوناً، وكان له نديم آخر يعرف بالبقلي وإنما سمي بذلك لأنه كان يقول:
الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع، فقتله المنصور لما أفضت الخلافة إليه. فكان هؤلاء
الثلاثة خاصته، وكان له صاحب شرطة يقال له قيس، وكان دهرياً لا يؤمن بالله معروفاً
بذلك، فكان يعس بالليل قلا يلقاه أحد إلا قتله، فدخل يوماً على ابن معاوية فلما رآه
قال:
إن قيساً
وإن تقنع شـيبـاً
لخبيث
الهوى على شمطة
ابن تسعين
منظراً ومشيبـاً
قسوته:
قال ابن عمار: أخبرني أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي يقظان وشباب بن عبد
الله وغيرهما، قال ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره: أن ابن معاوية كان
يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط، وأنه
فعل ذلك برجل، فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه، فناداه: يا زنديق، أنت الذي تزعم أنه يوحى
إليك! فلم يلتفت إليه وضربه حتى مات .
حدثني
أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه عيسى قال: كان ابن معاوية
أقسى خلق الله قلباً، فغضب على غلام له وأنا جالس عنده في غرفة بأصبهان، فأمر بأن يرمى
به منها إلى أسفل، ففعل ذلك به فتعلق بدرابزين كان على الغرفة، فأمر بقطع يده التي
أمسكه بها، فقطعت ومر الغلام يهوي حتى بلغ إلى الأرض فمات .
بعض شعره:
وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم وشعرائهم، وهو الذي يقول: ألا تزع القلب عن
جهـلـه
المرجع
ابن الأثير، الكامل في التاريخ،
دار صادر ودار بيروت، بيروت، 1385هـ، 1965م.
0 التعليقات:
إرسال تعليق