بحث
أثر المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية تجاة الشرق الأوسط:دراسة حالة”العراق-سوريا-لبنان”
نشرت بواسطة:المركز الديمقراطى العربى في قسم الدراسات الايرانية, مشاريع بحثية 1,587 المتواجدين الان
أثر المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية تجاة دول الشرق الأوسط “2003-2015″ دراسة حالة”العراق-سوريا-لبنان”
الملخص:
تناولت هذة الدراسة موضوع المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الشرق الأوسط وبالتطبيق علي العراق وسوريا ولبنان خلال الفترة الزمنية من(2003 :2015) حيث مثل عام 2003 نقطة هامة في تمدد النفوذ الإيراني الشيعي وتوغله في منطقة الشرق الاوسط مستفيداً من بعض المتغيرات الإقليمية والدولية – احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية – التي جعلت من منطقة الشرق الأوسط أرضيةٍ خصبة للتدخلات الإيرانية.
ولقد تم تقسيم الدراسة إلي أربعةٍ فصول بالإضافة إلي الفصل التمهيدي والخاتمة والتوصيات، حيث تناول الفصل التمهيدي النظام السياسي الإيراني وجاء الفصل الاول ليتحدث عن المذهبية في السياسة الخارجية الايرانية تجاة العراق ، وبينما ركز الفصل الثانيعلي دولة سوريا موضحاً طبيعية العلاقات التاريخية بين البلدين والتدخل الإيراني في ظل الأزمة السورية، أما الفصل الثالث فأولي تركيزه بالدولة اللبنانية وتوضيح الأليات الناعمة والصلبة في السياسة الخارجية الإيرانية تجاة لبنان ، وأخيراً جاء الفصل الرابع ليوضح مستقبل العلاقات الإيرانية مع دول الجوار ومناقشة الردود الدولية والإقليمية لهذة التدخلات.
واعتمدت الدراسة علي منهج تحليل النظم الذي يقوم بتحليل العلاقات بين الدول ومن ثم التفسير واستخلاص النتائج.
وخلصت الدراسة إلي أن إيران تسعي للعب دور إقليمي في المنطقة مستغلة الشرائح الشيعية المنجذبة لها في بلدان منطقة الشرق الأوسط .
Abastract:
This study dealt with the issue of sectarianism in Iran’s foreign policy towards the Middle East countries and its application to Iraq, Syria and Lebanon during the period (2003-2015).
The 2003 marked an important point in extending Iran’s Shiite influence and penetration in the Middle East, The occupation of Iraq by the United States of America – which made the Middle East fertile ground for Iranian interventions.
The chapter was divided into four chapters in addition to the introductory chapter, conclusion and recommendations. The introductory chapter dealt with the Iranian political system. The first chapter deals with the sectarianism in Iran’s foreign policy towards Iraq, while the second chapter focuses on the state of Syria, explaining the historical relations between the two countries, The third chapter focused on the Lebanese state, clarifying the soft and solid mechanisms in the Iranian foreign policy towards Lebanon. Finally, the fourth chapter showed the future of Iran’s relations with the neighboring countries and the discussion of the International and regional responses to these interventions.
The study concluded that Iran was seeking to play a regional role in the region, taking advantage of the Shiites in the Middle East
المقدمة :
تعد إيران من أكثر الدول إثارة للجدل في منطقة الشرق الأوسط، نظراً للتصور الموجود حول تأثيرها، وكذلك التطورات السياسية التي شهدتها منذ القرن السادس عشر، وظهور هوية دينية مذهبية لها متمايزة عن بقية العالم الإسلامي.
ولكن علي الرغم من أهمية عامل الجغرافيا السياسية، فإن الدين أو المذهب ربما يعد الموطئ الحقيقي لتشكيل العلاقة بين إيران والعرب. في الحقيقة، لا يمكن الحديث عن العرب وإيران، أو ذكر مواطن التوافق أو الاختلاف بين الطرفين من دون الحديث عن عامل الدين أو المذهب. فنشأة المذهب الشيعي في العراق يعد الخطوة الأولي في التفاعل بين إيران والعرب. وانتقال أهل العراق لإيران هرباً من سياسة الأمويين، ثم العباسيين ما هو إلا تجسيد لأهمية عامل المذهب، وارتباطه الوثيق بالجغرافيا السياسية.
مثل العراق أحد أهم مواطن الإلتقاء بين العرب وإيران، وذلك نظرا لإرثه التاريخي المرتبط بنشأة المذهب الشيعي في تاريخ المنطقة والتاريخ الإسلامي،وبسبب جغرافيته السياسية. ولذلك، نجد أن سقوط بغداد في عام 1258 قد شكل نقطة تحول في تاريخ الإحتكاك العربي- الإيراني. فمنذ ذلك الوقت، بدأت بلاد فارس بالابتعاد تدريجياً عن الديموغرافية العربية، وظهور حكومات محلية في إيران حاولت توحيد الهضبة الإيرانية. خلال تلك الحقبة،وقبل القرن السادس عشر الميلادي، لم يكن للعرب ذلك التأثير الواضح في الشأن الإيراني. ولكن مع بداية القرن السادس عشر، وعلي امتداد قرنين آخرين تاليين، شكل علماء البحرين، وجبل عامل، والقطيف ثقافة المذهب الجديد الجعفري الاثني عشري في إيران، وعزز التأثير العربي في ذلك الوقت. لكن مع بداية القرن التاسع عشر، والسيطرة الأوروبية علي كلتا الأمتين الإيرانية والعربية، أدي ذلك إلي ركود التفاعل الإيراني – العربي، وسيطرة القبيلة، وطريقة الحكم التقليدي علي النظام السياسي عند الطرفين. هذا الركود بدأ في التحرك مع بداية القرن العشرين، وظهور الدولة الحديثة، وتشكل ما نسميه اليوم بالشرق الأوسط.
ومن جانبه يبدو أن التاريخ شكل عاملاً أساسيا في مجريات تلك الحقبة،فقد اتخذت الدول الحديثة من التاريخ وسيلة لتعزيز شرعيتها وتشكيل هويتها،وبالتالي لم تسلم العلاقات بين إيران والعرب من حضور التاريخ بكامل ثقله. فالعرب أنهوا الإمبراطورية الساسانية، التي كانت آخر مراحل الإمبراطورية الإيرانية قبل مجيء الإسلام. أما الإيرانيون، فيرون في أنفسهم أنهم الإمبراطورية التي وصلت إلي البحر المتوسط قبل الإسلام في عهد الإمبراطورية الإخمينية، ثم عادوا لذلك في عصر الجمهورية الإسلامية، وفق تصريحات نائب قائد الحرس الثوري في إيران.([1])
عرفت إيران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 بعد الإطاحة بالحكم الملكي والحاكم بالشاه “محمدرضا بهلوي “ثم قامت قوات رجال الدين المحافظين بقيادة آيه الله “روح الله الحميني ” المرشد الأعلي للثورة الإيرانية بتأسيس نظام ديمقراطي تطبيقاً لنظرية ولاية الفقية في المذهب الشيعي ,حيث لم تكن تعرف المنطقة العربية هذة المذهبية التي جاءت بها الثورة والتي اشعلت فتيل الفتنة في المنطقة بين سنة وشيعة والتي عملت علي توتر العلاقات بين الدول العربية وبعضها البعض وظهر صداها في جميع الدول فمثلاً في مصر فقد أعلن الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” في ذلك الوقت علي قائد الثورة أنه “دجال” والتي كانت بداية لعلاقة صعبة مع العرب تجاوزت مرحلة الاملاءات الخارجية الذي كان يمارسها نظام الشاه ايران حيث مثلت نوعا من الاستحواز والسيطرة والرغبة في السيادة القومية وعودة “الحلم الفارسي ” والسعي للوصول لمكانة دولية بالقوة وفرض إرادة الإرغام. وبالنظر إلي السياسة الخارجية الإيرانية أنها تشكل تدريجياً بفعل المصالح الوطنية الإيرانية والتطورات الداخلية أكثر من الزرائع الأيدلوجية وهذا ماتحاول الدراسة بحثه بعد ماشهدته المنطقة في الأونة الأخيرة ومحاولة استفادتها من المستجدات الإقليمية والعالمية المتلاحقة من أجل التمدد بأكبر قدر وتحقيق استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة 2003/2013 من أجل الوصول إلي معرفة هذة الإستراتيجية وهدفها في المنطقة .([2])
أولاً/ أهمية الدراسة :
الأهمية النظرية: تتضح أهمية الدراسة من الناحية النظرية حيث أن هناك العديد من الدراسات التى تناولت هذا الموضوع على فترات متباعدة , بالإضافة إلى الكثير من المصادر المتنوعة التى تناولتهذا الموضوع سواء كانت دوريات , مجلات, كتب,والعديد من المقالات التى مازالت تتحدث عن الموضوع محل الدراسة .
الأهمية العملية: تكمن أهمية الدراسة من الناحية العملية حيث أنها تحاول معرفة أثر المذهبية على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط والتى تؤدى إلى تغيير النظام السياسى ككل , حيث أن الدراسة تحاول معرفة ذلك الأثر على أرض الواقع, ومعرفة أليات ومحددات هذه السياسة .
ثانياً/ مشكلة الدراسة وتساؤلاتُها :
تكمن مشكلة الدراسة في التساؤل الرئيسي حول كيفية التعرف علي السياسة الخارجية لإيران اتجاه كلا من سوريا والعراق وماتسعي لتحقيقة من أهداف في منطقة الشرق الاوسط ومدي نجاحها في تحقيق هذه الأهداف خلال تلك الفترة (2003- 2015 ) في ظل تطويرها لعواملها السياسية والإقتصادية وفي ظل تراجع أدوار الدول العربية في المنطقة بسبب المشكلات التي تمر بها دول المنطقة .
و فى ضوء ذلك نتناول دولة إيران بما لها من خصوصية والمذهب كمحدد لسياستها الخارجية, ونجيب عن السؤال البحثى, وهو :
ما أثر المذهبية على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط منذ الإحتلال الأمريكى للعراق ؟
الاسئلة الفرعية :
ماالجوانب الرئيسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط نحو سوريا والعراق في الفترة(2003-2015)؟
هل صاحب التحول السياسى فى الداخل الإيرانى تحويل النظام السياسى الإيرانى إلى نظام مذهبى؟
كيف عززت التحولات الإقليمية منذ الإحتلال الأمريكى للعراق عام 2003من ظهور أثر المذهبية على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول المنطقة؟
كيف تجلت المذهبية فى السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق ؟
ماهي أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاة العراق وأدوات تنفيذها ؟
كيف تجلت المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سوريا ؟
7- إلي أي مدي تأثرت الدولة اللبنانية بالتدخل الإيراني في شؤنها ؟
8- هل كان للقاسم الثقافي المشترك دور في توطيد العلاقة الإيرانية اللبنانية ؟
ثالثاً/ الإطار الزمني والمكاني للدراسة :
الإطار الموضوعي:
هذة الدراسة تنصب في الأساس حول مناقشة وتحليل دور المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية وتقييم أثرها في أحداث الهيمنة علي بعض الدول الشرق أوسطية أو عكس ذلك.
الإطار الزمني للدراسة :
يتحدد الإطار الزمني للدراسة في الفترة من 2003 الي وقتنا هذا وياتي تحديد نقطة البداية بعام 2003 حيث تزامن مع زيادة نفوذ الدولة الإيرانية -ذات النظام الثيوقراطي المذهبي – في منطقة الشرق الأوسط وذلك علي إثر العديد من التحولات الإقليمية والعالمية التي ساهمت في بسط النفوذ الإيراني علي دول المنطقة ولاسيما العراق بعد احتلاها من قبل الولايات المتحدة الامريكية عام 2003, وكذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانتهاج السلطه الإيرانية خطاباً ناعماً -في تلك الفترة- يساير ركب الدول الكبري ,وتاتي استمرارية الفترة إلي وقتنا هذا نظير التطورات الإقليمية المتمثلة في الأزمة السورية واليمنية.
الإطار المكاني:
تختص هذة الدراسة بمنطقة الشرق الأوسط , وكون إيران دولة تتمتع بالنفوذ وتمارس دوراً لابأس به في دول الجوار ولاسيما دعمها لحزب الله اللبناني وللحوثيين في اليمن وتحالفها مع النظام العلوي في سوريا , وسقوط أقوي منافس لها في المنطقة الا وهي “العراق” ,وكذلك فترات التوتر والاستقرار مع دول الخليج العربي ونظراً لإرتباط العامل الديني بهذة التحالفات سنحاول في دراستنا البحثية إظهار أثر المذهبية علي السياسة الخارجية الإيرانية.
رابعاً/ مفاهيم الدراسة :
السياسة الخارجية :- هى مجموعة من الأهداف السياسية والتي تسعى إليها كل دولة للتواصل مع الدول الأخرى.
وذلك لخدمة مصالحها السياسية والوطنية والأمن الداخلي وتحقيق الأهداف الفكرية والنمو الاقتصادي ، ويمكن أن تحقق الدولة سياستها الخارجية عبر التعاون السلمي أو الحرب ، والذي نجم عنه الاستقلال للشعوب ، لذلك أصبحت السياسة الخارجية أداة تواصل وتفاعل مع الدول الأخرى بواسطة صيغة دبلوماسية ، يقوم بتحديد تلك السياسة الخارجية رئيس الدولة أو رئيس الوزراء .([3])
أبرز مثال على ذلك :- تتبع إيران فى سياستها الخارجية مع ( العراق وسوريا ولبنان ) الاتي .
بالنسبة للعراق :- تعمل إيران على تحقيق مكاسبها ونفوذها بالاستفادة من آلية عمل النظام السياسي العراقي ،وأيضا ضبط علاقات العراق مع الدول العربية وفقا لطبيعة علاقة إيران مع تلك الدول تحقيقاً لتبعية العراق .
أيضاً تقوم إيران بتجنب الصراع مع الولايات المتحدة تحقيقا لمكاسبها فى العراق والذي يعطيها علاقة تبعية ممتازة .
أما بالنسة لسوريا :- نظراً لاعتبار سوريا الهامة سياسياً وإقتصادياً وتاريخياً وإعلامياً لايران ، جعلتها تقوم بتحالفات مع أحزاب سياسية داخل سوريا مما تخدم مصالحها الوطنية مع البراغماتية السياسية ، وهذا ما يساعد على إحداثالتوازن الايراني فى المنطقة باستخدام نفس التحالف ( الإيراني – السوري )، ولكن بأهداف متجددة تخدم مصالحها .([4])
ومن جانب لبنان فايران تربطها أواصر علاقات ثقافية مشتركه وخاصتاً في المناطق الجنوبية من لبنان التي تعتنق المذهب الشيعي الاثني عشرية, كما أن لبنان امتداداً سياسياً وثقافياً لإيران , ولعبت إيران دوراً محورياً في دعم المقاومة ضد الإجتياح الإسرئيلي وخاصة دعم حزب الله اللبناني .
الأداة الأقتصادية
تلعب إيران دوراً هاماً فى الإقتصاد العراقى ،حيث ان التجارة بين العراق وإيران أحادية الاتجاه فى المقام الأول حيث سنوات من العقوبات والقتال قد جعل العراق يعتمد على البضائع الإيرانية، فحسب التقديرات فإن التجارة بين البلدين منذ عام 2003 قد نمت بمعدل30%،وأنها وصلت فى عام 2009الى 4 مليار دولار ،فإن المكان الوحيد خارج إيران والذى تستخدم فيه العملة الإيرانية هو جنوب العراق ،واثنين من المصارف الإيرانية الضخمة فى العراق ، وقد تم توقيع سبع اتفاقيات للتعاون فى مجالات الأمن،الرسوم الجمركية،الصناعة،التعليم،البيئة،المواصلات ،وتطوير منطقة تجارة حرة قرب الحدود المشتركة لمنطقة البصرة.
ولقد عززت إيران روابطها الاقتصادية والتجارية مع العراق لتحقيق مكاسب مالية وسياسية وبذلك يكون لديها القدرة على التأثير من الناحية الإقتصادية ، أما الصادرات العراقية إلى إيران تشمل منتجات النفط الخام والمكرر،والكبريت،والحديد،حيث ينشط المستثمرون وشركات المقاولات الإيرانية فى بغداد ،حيث أن إغراق العراق بالسلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية الإيرانية الرخيصة والمدعومة ،قد اضعف قطاعات الصناعات الخفيفة والزراعة العراقية ،وكذلك فإن بناء السدود الإيرانية وتحويل مجارى الانهار الذى تغذى المجرى المائى لشط العرب قد قوضالزراعة العراقية فى الجنوب، وقد قامت إيران بالتلاعب بكمية الكهرباء التى يحتاجها العراق لتلبية أغراضها السياسية. (1)
وتشير بعض الأرقام إلى أن إيران تحولت إلى الشريك التجارى الأول للعراق طمعاً فى ثرواته واستغلالها ،حيث ان النفوذ الاقتصادى سيطر فى الاستحواذ على ولاء شريحة كبيرة من الناس ،فعلى سبيل المثال اقترحت الحكومة الإيرانية اعطاء العراق 100مليون دولاربشرط ان يصرف اغلب المبلغ على البنية التحتية فى النجف وكربلاء ،وفى ديسمبر 2006وقعت إيران اتفاقية تتضمن دفع مبلغ مليار دولار للعراق لدعم ميزانية الحكومة العراقية ،لكن الجزء الأكبر يصرف على قطاعات متعددة تشمل تدريب موظفين عراقيين فى إيران فى مختلف المجالات ،فالعراق يعد بمثابة سوق تجارى ضخم لإيران، للحد الذى أصبح فيه العراق يستورد الكهرباء والقمح وبعض المشتقات النفطية من وقود وغاز من ايران،حيث يدعى بعض المسؤولون الإيرانيون والعراقيونأن حجم التجارة بين البلدين بلغ12مليار دولار فى العامين 2013-2014، إلا أن الإحصائيات الرسمية تظهر أن اجمالى التجارة بلغ حوالى 6 مليارات دولار فى تلك الفترة ،وجاءت غالبية المبلغ من الصادرات الإيرانية إلى العراق وتتكون الصادرات من الفواكه والخضار الطازجة،والمواد الغذائية المصنعة،ومواد البناء والاجهزة المنزلية الرخيصة والسيارات ، فقد نجحت فى توظيف اداتها الاقتصادية داخل العراق وأصبحت الشريك التجارى الأول وتغلغلت فى الصناعة والزراعة والإقتصاد بما يخدم أجندتها السياسية فى العراق .(1)
خاتمة
سعت الدراسة لمعالجة واحد من أهم المواضيع على الساحة الإقليمية وهى السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق فى الفترة مابين عامى 2003-2015،وذلك من خلال البحث فى الجذور التاريخية للعلاقات المتوترة بين البلدين،ومعرفة الأسباب الحقيقة وراء التدخل الإيرانى فى العراق والأدوات التى تستخدمها إيران فى تنفيذ أهدافها السياسية،وأوضحت الدراسة أن العلاقة بين البلدين أصبحت مغايرة للماضى فبعد الغزو الأمريكى للعراق وانهيار نظام صدام حسين أصبح هناك تناغم بين السياسة العراقية والإيرانية تحت مظلة الثانية، وحيث أن للعراق أهمية جيوسياسية أدت إلى احتلاله من قبل الولايات المتحدة والذى يعتبر البوابة الشرقية للوطن
العربى.
وسعت إيران الى تحقيق لك عن طريق ربط العبادة بالسياسة واستخدام ورقة المذهبية الشيعية نتيجة لوجود العديد من العتبات الدينية الشيعية داخل العراق وكذلك نسبة السكان الشيعة العراقيين .
الفصل الثاني
المذهبية في السياسة الخارجية الايرانية”سوريا نموذجاً “
يشكل العالم العربي الوجه الأساسي للإستراتيجية الإيرانية المتعاقبة اعتماداً علي بناء فكري أسطوري يرمي إلي بناء قوة اقليمية كبري تتوجه نحو محيطها في المشرق والخليج العربيين وكانت سورية اولى الخطوات في المشروع الإيراني بعد ثورة 1979 ([117])
ترمي الإستراتيجيات الإيرانية كثيراً الي بناء فكري أسطوري نحو التوجه الاقليمي العربي في المشرق والخليج العربيين .
وتعتبر سورية هي أولي الخطوات في المشروع الايراني منذ 1979بدات هذه العلاقات من خلال محمد حسين منتظري “منتظري الابن “مؤسس الحرث السوري الايراني وهي أحد الكوادر التي عملت تحت مظلة خميني حين كان في منفاه في العراق وقبل انتصار الثورة الإيرانية .
مثل” منظري الإبن “همزة الوصل بين خميني وعدد من القوي السياسية في الساحة العربية من بينها حركة التحرير الفلسطيني “فتح ” حيث كانت فكرتة ان الثورة لن تنجح الا من خلال عدد من التحالفات مع كافة القوي التي تشاركها الاهداف السياسية ومنها علاقة إيران مع عدد من الدول الموصوفة حينها بالراديكالية في العالم العربي بما في ذلك سورية وليبيا واليمن الجنوبي فضلا عن حركة فتح .
دراسة الأهمية الإستراتيجية والجيوسياسية لكل من سورية وإيران في إطار منطقة الشرق الأوسط تعتبر ركيزة اساسية يعتمد عليها البحث في تاريخ العلاقات بين البلدين بحكم تأثير الموقع الجغرافي وما يفرضه من صلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها يحكمها في غالب الأحيان المصالح المتبادلة بين الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً سلباً وايجاباً.
وبذلك فان المحيط الجيوسياسى الواحد بين سوريا وإيران, قد أوجد بينهما تاريخاً مشتركاً منذ أقدم العصور استمر تأثيره وتفاعله حتي الوقت الحالي وأن دراسة الفترة المعاصرة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتي الثورة الايرانية 1979 وكذلك بعد الأزمة السورية 2011
تحتل أهمية خاصة في إيضاح مدي التشابك في الاحداث والمصالح بين إيران ودول الشرق الأوسط عامة والوطن العربي وسوريا خاصة [118].
فقد كانت الإمبراطورية الفارسية مترامية الأطراف قبل الإسلام في غرب وشمال وجنوب غرب أسيا , وقد تنازعت معها امبراطوريات عديدة منها الإمبراطورية الرومانية ومع دخول الاسلام تضاءلت قوة الامبراطورية الفارسية ونفوذها أمام الدولة العربية الإسلامية وفي العصر الحديث ومع دخول الغرب لمنطقة الخليج قامت الدول الغربية وعلي رأسها بريطانيا بتقسيم الخليج العربي الي مناطق نفوذ عجزت إيران عن بناء إمبراطورتها بما تملكه من أسلحة تقليدية مقارنة بما تمتلكه بريطانيا من القوة العسكرية ومنذ ذلك الحين وإيران تتحين الفرصة لبسط نفوذها ,وقد عاودت ايران حلمها نحو الإمبراطورية الفارسية التي قضي عليها الإسلام بعد ظهور النفط وما قامت علية من صناعات وتطورات في الإتصالات والمواصلات خاصة بعد رحيل بريطانيا عن الخليج فبدا الحاكم الطموح “الشاه محمد رضا بهلوي ” بتحقيق حلمة عن طريق الاستعانة بالولايات المتحدة الامريكية خاصة فيما يتعلق بتذويد جيشة بالطائرات لإدراكه قيمة السلاح الجوي ,كما سعى ايضا الي إقامة علاقات مع إسرائيل في الوقت التي تعتبر اسرائيل تمثل خطرا علي كبيرا علي مستقبل الامة العربية مما يعني انها لم تضع في الحسبان علاقات حسن الجوار مع الدول العربية وخاصة الخليجية ومن هنا بدأت المواجهة الساخنة مع ايران والحرب بظهور المشكلة الكردية في العراق وتدعيمها لمتمردي العراق ضد العراق مما دفع العراق للتوقيع علي اتفاقية الجزائر لكي تكف ايران عن هذا الدعم كما قامت بالسيطرة علي جزر (طنب الكبرى والصغرى وابو موسي ) وقبل أن تنتهي فترة السبعينات أطاحت الثورة بزعامة “اية الله الخميني ” بالشاه رضا بهلوي وقامت جمهورية إيران الإسلامية ومن هنا بدا موقف سوريا يتشكل نحو إيران حيث تحرك النظام الجديد في طهران بسرعة لتعزيز علاقته بسوريا ومع منظمة التحرير الفلسطينية ولكن ظهور سلطة شيعية ذات ثروات كبيرة وقوة عسكرية يعتبر في حد ذاته زعزعة للاستقرار بالمفهوم الاقليمي هذا أدي أيضاًإلي مخاوف عراقية من قبل الأغلبية العراقية الشيعية التي تدعمها إيران وبشكل عام فقد شكل اندلاع الثورة الإيرانية 1979مرحلة فاصلة في التاريخ الايراني وتاريخ المنطقة العربية ,وتوجهت السياسة الخارجية الايرانية في الثمانينات التي شهدت الحرب العراقية الإيرانية للتحالف مع سوريا حيث اختزلت فيها معظم العلاقات الايرانية العربية كما يقال !.
وتعتبر سوريا من أولى مجموعة الدول العربية التي يرى الكثير انها ذات طابع تعاوني غالبا مع إيران حيث يمكن معها حصر قضايا الصراع بينهما وتوقيت اثارتهما.
وكان ظهور أهم مبدأ من مبادئ الثورة الإيرانية ألا وهو مفهوم المركزية الأيدلوجية من اعتقادها أنها مركز الحركات الإسلامية حتي اصبح لإيران النفوذ والقوة لدي الشيعة في الدول الإسلامية كافة.[119]
جاء عقد التسعينات بكل رياح التغيير حيث شهد تطورات إقليمية ودولية عديدة واعتباراً من مطلع هذا القرن باتت العلاقات الإيرانية السورية تتجه نحو مرحلة جديدة متأثره بتحولات هذه البيئة الاقليمية والدولية ومن بينها :
دولياً:انهيار الإتحاد السوفيتي حيث خسرت سوريا حليفها التاريخي الذي ارتكزت علية في مشروعها الامني والاقتصادي وبالنسبة لإيران , فقد أدي هذا الإنهيار للاتحاد السوفيتي الي تقليص هامش المناورة السياسية أمامها وجعلها اكثر حساسية للضغوط الغربية .
إقليمياً: حرب الخليج الثانية 1990 هذا ما أدي الي انتشار امريكي واسع في المنطقة وخاصة الخليج العربي مما جعل ايران تنظر له باعتباره تهديدا اكثر لأمنها القومي وقد شاركت سوريا رمزيا في هذه الحرب الا انها لم تكسب شيء ,أيضاً اقليمياً الغزو الأمريكي للعراق 2003وضع هذا الحدث سوريا وايران علي فوهة الحدث حيث كانتإيران هدفاً لاحقاً فى مساره بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وفق ما تقوله المذكرات والوثائق المتداولة ,ورغم ان كلا من سوريا وإيران كانتا مختلفين في التعامل مع الغزو الأمريكي للعراق إلا أنهما اشتركتا في الشعور بالخطر رحب الطرفان بسقوط صدام حسين وعلي خلفية هذه التطورات الكبرى تسارعت وتيرة التحالف والتعاون ليشمل العديد من القضايا الثنائية والاقليمية ومنها ما برز نحو التعاون العسكري الفني والتقني بين الدولتين وخاصة علي صعيد الصناعات الصاروخية [120] وهذا كلة ادي الي بروز المشروع الايراني في المنطقة العربية بشكل اقوى وابرز وقد لعبت سورية ضمن هذا المشروع دورا لا يمكن الاستهانة به وهو دور ليس طارئا عليها او ضمن سياق تكتيكي ظرفي بل هو امتداد للسياسة المتبعة في هذا الخصوص منذ اندلاع الثورة الايرانية 1979ثم الحرب العراقة الايرانية مرورا بالإحداث الرئيسية كافة حتي يومنا هذا.[121]
وقد بات واضحاً حتي اليوم أن العلاقات الإيرانية من أقوي وأمتن العلاقات في المنطقة حيث شكلت تحالفاً تطور عبر مراحل متعددة ومختلفة وتجاوز العديد من الازمات كما سيتضح فيما بعد كما توسع سياسياً واقتصادياً وأمنياً ,ولا ننسي أن هذه العلاقات جاءت في بيئة اقليمية متوترة حيث أن إيران دخلت في عداء مع الولايات المتحدة الامريكية بعد الثورة الايرانية 1979بل والمحيط الإقليمي وكذلك العربي بدليل الحرب العراقية الإيرانية ,وهذا ما دفع بإيران___0 للبحث عن حليف كهدف أساسي لإيران لتدعيمها سواء سياسياً او اقتصادياً او حتي عسكرياً فلم تجد خيرا من سوريا ,كما تقول الدراسات حيث أن الأخيرة هي أيضاً كانت تشاركها العداء للولايات المتحدة الامريكية حيث أنها كانت حليف للاتحاد السوفيتي وفور انهياره في بداية التسعينات ,ولم يكن من بشار إلا أجراً سياسياً لمواجهة كامب ديفيد ومعاهدة السلام الا ان يتحالف مع ايران الثورة مما خلق محورا شيعيا جديدا يمتد من طهران الي دمشق الي جانب لبنان , وقد وجدت سوريا ايضا من ايران مخرجا للعديد من القضايا المحورية الملحة له في المنطقة خاصة تلك التي تتفق فيها مع ايران ,أولها وأهمها :معارضتها للنظام العراقي وحاجتها الي الدعم والمساندة وتقوية وجودها في لبنان ابان الحرب الأهلية هناك وعن منظور إيران أيضاً لهذا التحالف مع سوريا فهي تراه وسيلة ضغط علي العراق وحرية للوصول الي الشيعة في لبنان اضافة الي ان سورية شريك عربي سيقلل من الاستقطاب الشيعي -السني علي الساحة العربية فهي بمثابة الوسيط بين إيران والدول العربية إلا أنه قد حدث نوع من الفتور في العلاقات الإيرانية السورية وذلك عقب مشاركة سوريا في مؤتمر مدريد 1993 والذي انتقدته ايران بشدة وانتقدت كل الدول المشاركة فيه ولكن سرعان ما نجحت دمشق في منع تدهور العلاقات بينهما من خلال طمأنه ايران بان مسار التسوية لن يرافقه تطبيع مع اسرائيل ,وقد استمرا في توطيد علاقتهما سياسيا واقتصاديا لدرجة لم تستطع معها الولايات المتحدة او حتي دول غربية اخفاء قلقها من هذه العلاقة ومنها ما تجلي من الدعم الذي قدمتاه كلا منهما لحزب الله في حرب تموز 2006 ودعمة سياسياً في صراعة مع القوى اللبنانية وكذلك الدعم المقدم لحركة المقاومة الاسلامية حماس المحاصرة في قطاع غزة [122]
إن الإهتمام الإيراني بسوريا لهذا التحالف يظهر في محددات ممكنة حيث انها تدرك ان هذا التحالف سوف يعطي لها جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة الامريكية والاسرائيلية في المنطقة خصوصا اذا أخذنا في الإعتبار القوة العسكريةإيران وقوة التسلح السوري وذلك للأسباب الأتية :
1-ابقاء سوريا في الإتجاه المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بعد تضائل دور الشريك الأوربي .
2-ابقاء سوريا علي موقفها من معاهدة السلام .
3-تحاول إيران التقرب من العرب عن طريق سوريا من أجل اقناع العرب بسلمية السلاح النووي وبانه لا يمثل خطراً علي العرب .
4 تعتبرها إيران نقطة العبور الأولي الي لبنان .
5- إرسال رسالة تحذيرية إلي الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق اقامة علاقات مع سورية ومع حزب الله ومع الشيعة في كل العلام مفادها ان ايران تملك القوة لتهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية اذا ما أرادت توجيهه ضربة لإسرائيل والضغط عليها للاعتراف بأن إيران قوة اقليمية كبري في المنطقة باختصار أن الدوافع الايرانية للتحالف مع سوريا تهدف إلي الإستفادة من حليف عربي وسياسي وعسكري في المنطقة .[123]
المبحث الأول
طبيعية العلاقات الإيرانية السورية
منذ الثورة الإيرانية 1979
جاء تطور العلاقات بين البلدين في ظل أزمة بالنسبة لكلا البلدين حيث شهد عقد الثمانينات ظهور الجمهورية الإسلامية وظهر معها قلق دولي من الدولة الوليدة وشعاراتها وخطاباتها وجاء معها قطع للعلاقات الإيرانية الأمريكية تبعها الحرب العراقية الإيرانية,وهو ما جعل ايران في موضع وحيد فريد إقليمياً وعربياً ودولياً وهو ما دفعها علي الفور للبحث عن بديل وحليف تعوض فيه او تختزل فيه هذه العزلة الدولية والاقليمية ولاسيما العربية فكان ذلك هدفا امام ايران للبحث عن حليف سياسي وحلفاء من اجل الجهد العسكري ايضا وبالرغم من ان سورية كان محسوبة علي المعسكر الشرقي إلا أن لم يمنعها ذلك من اقامة علاقات مع سوريا لاسيما أن سوريا تمتاز بموقعها الجغرافي خاصة وأنها تطل علي فلسطين التي تضعها الثورة في اعلي خطاباتها السياسية الموجه للعالم ,أما سوريا فمن جانبها كانت تري ان الدور الامريكي تنامي في المنطقة لاسيما في لبنان فأحست بخطر ذلك الوجود العسكري وبالتالي فان الخطاب الثوري المعادي للغرب وامريكا وجد نفسة موحدا لخطاب البلدين وهذا ما تحول فيما بعد كما سيتضح لاحقا بإيران ايضا كانت تنظر الي اهمية لبنان حتي في ظل نظام الشاه لكن ما حدث ان بعد الثورة اصبح البعد الديني او المذهبي اكثر وضوحا وخاصة أن سوريا كانت مفوضة من الدول النافذة بان تلعب دوراً هاماً في انهاء الحرب الاهلية في لبنان وهذا ايضا جعلها موضع اغراء بالنسبة لإيران بالإضافة للعلاقة السيئة بين حزب البعث بشقية السوري والعراقي مما دفع سوريا للوقوف الي جانب طهران في حربها ضد العراق بلا حرج , ومن بين التطورات الاقليمية ايضا او تحولات البيئة الإقليمية التي ساعدت ووطدت من العلاقة ايضا الاجتياح العراقي للكويت 1990,فمن أجل إخراج العراق من الكويت وضع البلدين نفسيهما في الجبهة التي قادتها الولايات المتحدة لإخراج العراق من الكويت فأرسلت سوريا قوتها للمشاركة بقيادة الجنرال علي حبيب الذي اصبح فيما بعد وزيرا للدفاع السوري وكان ابرز وصف للعلاقة بين طهران ودمشق حينها ان هناك توافقا سياسيا في حركتيهما حتي جاء مؤتمر مدريد 1993,فقد اختارت دمشق مؤتمر مدريد والمشاركة فيه وهو مانتقدته إيران وانتقدت الدول المشاركة فيه وقد وصفت العلاقات بينهما حينها بانها شهدت نوعاً من البرود لكنها لم تصل إلي حد الأزمة ,فقد نجحت دمشق حينها بإقناع طهران بان مسار التسوية في المؤتمر لن يشهد تطبيعا مع اسرائيل ويمكن ان يعيد المؤتمر هضبة الجولان السورية ومن المؤكد ان هناك قوى دولية واقليمية وعربية لم تخفي قلقها ازاء هذه العلاقة في الوقت الذي كانت فيه الدولات يعملان علي توطيد العلاقات بينهما اقتصادياً وسياسياً وحتي اجتماعياً وأصبحت سوريا القبلة الثانية للزائرين الإيرانيين وهي الأولي التي يمكن زياراتها بأقل إجراءات ممكنة .
استمرت العلاقة في طريقها الامن كما يقال الذي يحرسه النظامان ,وقد وقفا أيضاً الطرفان في محور الدول التي ساندت “الحرب علي الارهاب ” والتي ادت الي غزو العراق 2003 واستطاع النظامان التغلب علي الانتقادات بسبب الموقف السلبي في البلد العربي العراقي في الوقت الذي كانت فيه سورية تتهم من قبل واشنطن بأنها تسمح بمرور الإرهابين خلالها باعتبارها دول محتلة , فقد كان واضحاًأن سوريا كانت حريصة علي المصالح الايرانية في العراق كجزء من مواجهتها مع واشنطن وهو الامر الذي تقول علية إيران أنها حافظت علي نفس المسار من العلاقات بعد عام 2005 حيث أصرت سوريا علي الإنسحاب من لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وحينها حافظ البلدان وتمكنا من المحافظة علي شرايين التعاون الكبيرة بينهما وقد عزز ذلك من فكرة استهداف الولايات المتحدة لهما مما دفع بهما الي مذيد من التقارب وقد شكلا محور سمي محور “الممانعة “ضم حركات المقاومة الاسلامية مثل حزب الله وحماس والفصائل الفلسطينية المعارضة للتسوية السياسية مع اسرائيل كل ذلك عزز من قناعة الطرفين انهما كلما تقاربا كلما كان ذلك اقوي ويعظمان من رصيد بعضهما البعض .[124]
ان كثيرا من المحللين السياسيين السورين لا ينكرون وجود تعاون وتنسيق مع ايران بشكل عام حيث انهم يطرحون في كل مناسبة بوجود علاقات استراتيجية (ليس حلفا)بين سوريا وايران ,حيث أن البلدان يتبادلان الرسائل والراي والوفود لكن لدرجة لا ترقي الي وجود أحلاف وبالتمحيص في تفاصيل هذه العلاقات وخاصة تجاه القضايا الساخنة في المنطقة تجد فروقات عديدة في المواقف بينهما والتي قد تصل لحد التناقض أحياناً ,هذا وقد يختلف كثيراً عما كانت علية العلاقات في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد حيث قادها بمهارة حيث ابقت سياسته علي مسافة بينها وبين السياسة الإيرانية يمكنها من خلالها ان تنتصر لبعض القضايا العربية ولها ان تؤكد علي استقلالية قرارها في الوقت الذي استفادت فيه من العلاقات الإقتصادية مع إيران في زمن كانت الحاجة السورية ملحة للمساعدات الايرانية متعددة الجوانب وهكذا ربحت سوريا اقتصاديا ولم تخسر عربيا وبقيت محافظة علي قرارها المستقل كان ذلك في عهد الراحل حافظ الاسد .[125]
الأسس والمبادئ التي قامت عليها هذه العلاقة
لقد شكلت ثوابت السياسة السورية ومشروعها الوطني والقومي كدولة محورية في الوطن العربي , جانب التوجهات والاجراءات التي قامت فيها الثورة الإيرانية بدع المرجعي في التأسيس للعلاقات معها وتأييدها للحق العربي الاساس المرجعي في التأسيس للعلاقات السورية الايرانية المتوازنة والمتناسقة وعندما بدأت الشكوك تثار حول نية الثورة ورغبتها في تصدير نفسها الي دول الجوار فلا شك ان ذلك وضعها في موقف لا تحسد علية ,حيث اتخذت بعض الدول العالمية والاقليمية مواقف غير مؤيدة وبالتالي معادية لها ” الحرب “العراقية الايرانية “وقد اصطفت السياسة اسورية الي جانب الثورة الإيرانية مدفوعة بالحرص علي الثورة الوليدة حتي تقف علي قدميها ومن ثم تستفيد من دعمها ومواجهتها مع العدو الاسرائيلي وتحرير المحتل من اراضيها وخوفا من ان يتحول الصراع الي غير وجهته الصحيحة كما كانت العلاقات السورية الايرانية محط اهتمام ومتابعة من القيادتين السورية والايرانية من جهة تقويتها وتطويرها وصولا الي انجاز متطلبات ما تقتضه عملية الوصول الي علاقات استراتيجية بين الدولتين فأنها بالمقابل برزت كهدف للتآمر والتخريب في دائرة اهتمام القوي غير المؤيدة والمعادية تحت عناوين وحجج مختلفة يغلب عليها الزيف والتضليل ,مما جعل السياسة السورية ترد عليها بزيادة التمسك بمبادئها الوطنية والقومية وبخيار المقاومة وبتعزيز علاقتها بإيران ,استقلالها وتحيزها لبض القضايا ولكن مع الابقاء بمساحة بينها وبين السياسة الايرانية لتحافظ من خلالها علي استقلالها وتحيزاتها العربية تجاه قضايا الأكثر ارتباطاً بمصالحها العربية والدولية كما ربحت سوريا بموجب هذه الاتفاقية ولم تخسر ايران لأن المصالح الاستراتيجية لكلا الدولتين بقيت مصانة عن القولأن إيران بعد الثورة ليست إيران اليوم الدولة القوية (سياسياً واقتصادياً وسياسياً )والتي حجزت لنفسها مكانة إقليمية أكثر وأصبح لها دور إقليمي وعالمي وقوي رئيسية سياسية في كل من (العراق –لبنان – فلسطين).
أن قوة العلاقات الإيرانية السورية أو فتورها مع بعض البلدان العربية لا يعني بأية حالة تخلي سوريا عن دعمها العربي الذي كان ولايزال يحظى بأهمية خاصة في برامجها ودبلوماسيتها وادبيات الحزب الحاكم فيها.[126].
الأسباب وراء قوة العلاقات الايرانية السورية
أولاً :موضوعية وشرعية الاسس التي قامت عليها هذه العلاقات كونها تهدف الي تطلعات الشعوب نحو الحرية والاستقلال وجسدت رغبة وارادة القيادتين في اهمية هذه العلاقات والتي وجدا فيها سببا ناجحا في مواجهة الضغوط .
ثانياً:أنها تأتي عوضا عن حالة الضعف والفراغ في المشروع العربي وتشتته بشكل مكشوف في السنوات الماضية في الوقت التي كانت فيه سوريا تتعرض الي ضغوطات ومؤامرات عدوانية خارجية تستهدف الوطن في الوقت الذي كان فيه بعض القادة العرب يتهاونون في مواقفهم مع الغرب علي العكس من ايران التي ظهرت ملتزمة بالدفاع عن امن سوريا ومعبرة عن اهداف الشعوب العربية والاسلامية وتطلعاتهم في مواجهة المشارع المعادية التي كانت تريد النيل من عزتها وكرامتها ورغبتهم في التطلع الي الاستقلال والتحرر والتنمية الوطنية .
ثالثاً: جاءت استجابة لحاجة كلا الطرفين الي بعضهما البعض لإضافة قوة جديدة لقوته لتعديل موازين القوي في اطار المواجهة التي فرضتها القوى المعادية عليهما وقد دلت الوقائع علي نجاح كبير في استخدام قوتهما في مواجهة التحديات المعادية لهما ولا يعتقد ان من مصلحة أي منهما أضعاف هذه القوة او احداث خلل فيها .
والجدير بالتنويه انه في الوقت الذي لا تجد فيه سوريا أي مبررات لأن تذهب بمفردها لمواجه الكيان الصهيوني او اجراء التفاوض معه لسعيها الدائم لإرجاع ارضها المحتلة دون حليفتها الاساسية ايران وان ايران هي الأخرى لا تجد مبرراً في مواجهة الضغوط الامريكية والإسرائيلية والغربية التي تمارس عليها دون حليفتها الاستراتيجية سورية التي كانت لها دور مشهود في توضيح صوابيه الموقف الايراني وتغيير الشكوك المصطنعة التي توجها امريكا واسرائيل حول عسكرة برنامجها النووي وايجاد الذرائع للعدوان عليها وتخريب منشاتها .[127]
أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سوريا[128]
تدرك إيران أن تحالفها مع سوريا يعطيها قوة لتـشكيل جبهـة موحـدة ضـد
السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنقطة خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار القوهالعسكرية الإيرانية وكذلك التسليح السوري حيث أن معظم التقارير تشير إلى أن إيرانتحتل مرتبة متقدمة في الشرق الأوسط من ناحية القدرات العسكرية وكذلك سوريا فإنتقارير معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن يشير إلى أن سوريا تملك نظـام فعـالاًللدفاع الجوي لذلك نجد أن السياسة الإيرانية تتقارب مع سوريا للأسباب التالية:-
1-إبقاء سوريا في الاتجاه المعادي للولايات المتحدة وإسرائيل حيث أن سوريا وإيران تعلمان أن هناك إجماعاً دولياً على عزلهما خصوصاً بعد تـضاءل دورالـشريكالأوروبي لكل منهما ويؤكد ذلك الدعم الأوروبي لمعظم القـرارات الدوليـة ضـدسوريا وإيران وذلك ضمن توجيه جديد للسياسات الأوروبية يقضي بدعم الـسياسة الأمريكية في المنطقة مقابل سماح الولايات المتحدة للدول الأوروبية بـالعودة إلـىمناطق النفوذ التقليدية وكذلك تطابق وجهات النظر بين أوروبا والولايات المتحـدة بخصوص الملف النووي الإيرانيوأن ما يؤكد ذلك تطابق الخطاب الداخلي الإيراني بشأن العلاقات مع سوريا حيثأن الازدواجية والتي عادة ما تميز السياسة الخارجية لا تنطبق في الحالـة الإيرانيـةالسورية حيث أن الرئيس أحمدي نجاد أكد أن سوريا هي الخط الأمامي للـدفاع عـلي الأمة الإسلامية وكذلك تأكيد معظم الساسة الإيرانيين على أن سوريا وإيران هما فـيخندق واحد لمواجهة الضغوط الخارجية.
2-العمل على بقاء سوريا على موقفها من عملية السلام حيث أن سوريا تشترط شروط شروط يعتبرها الجانب الإسرائيلي أنها شروط غير واقعية وغير منطقية لكي تـتم عمليـةالسلامتحرص السياسة الخارجية الإيرانية على رفض الوجود الأمريكـي فـي المنطقـةوتشترك معها سوريا في هذا الاتجاه حيث أن إيران تعلم الأهمية الإستراتيجية التيتتمتع بها سورياومعارضتها للوجود الأجنبي حيث أن هذا الوجود يعرض سـورياللخطر خصوصاً أن هذه القوات قريبة جداً من الحدود السورية حيث تم تشكيل مـاسماه الجانبان جبهة موحده لمواجهة التهديدات خلال عام 2005حيث اتفق الجانبان
على ما يلي:
. اعتبار أي اعتداء على سوريا هو اعتداء على إيران والعكس صحيح.
ب. الالتزام الإيراني بتقديم الدعم لسوريا في حالة تعرضها لأي اعتداء
ج. التعاون العسكري بين القوات الإيرانية و السورية وقد أكد ذلـك وزيـر
الدفاع الإيراني عندما قال أن سوريا عمق إستراتيجي لإيران وهي جـزء
من الأمن القومي للجمهورية الإيرانية.
المبحث الثاني
العوامل الحاكمة للسياسة الخارجية الايرانية
(المذهبية الايرانية نحو سورية)
يعتقد البعض أن الخلفية الأيدلوجية التي يتحرك بها النظامان الحاكمان كونهما ينتميان الي المدرسة الشيعية في كلا البلدين توحدهما في المصالح والمواقف السياسية ولكن بالنظر الي النظام السوري (علماني )بطبعة يحارب الإسلام السياسي منذ نشأته ,فالعلاقة لابد وان تكون في عداء مع النظام الايراني الذي لا يستطيع أن يقدم علي شيء دون “مباركه” المرشد الأعلى والولية الفقيه ,بنظرة أخري فإن السياسة تعبر عن المصالح والمنافع بالأساس وليس لها أي بعد أيديولوجي يذكر الا حينما يندر مثلا موقف سوريا من عراق صدام لابد أن تكون أكثر ليونة وتعاونا لكن التاريخ القريب يقول العكس ,فسوريا التي تجمعها بنظام صدام الأيدلوجية البعثية لم تكن مواقفها متصالحة في أي وقت اثناء حرب الخليج الثانية لإرغام صدام علي مغادرة الكويت.[129]
كما أن تأثير الأيدلوجيا يقل في السياسة الخارجية كلما زادت التطورات الإقتصادية وبخاصة التطور الصناعي فمع زيادة التطورات الإقتصادية ذادت الإرتباطات الإقتصادية الخارجية للدولة وتظهر مشكلات جديدة يصعب علي الأيدلوجيا إيجاد حلول لها ,كما يقل تأثيرها أيضاً كلما قل تأثير الدولة بالمشكلة التي تصاغ السياسة الخارجية تجاهها لأنه من السهل علي دولة أن تغلف سياستها تجاه المشكلات التي لا تؤثر مباشرة علي مصالحها في إطار أيديولوجي لكن لا تستطيع أن تلتزم بأيدلوجيا محددة في التعامل مع مشكلات التي تمس مصالحها مباشرة وتتعامل معها طبقاً لما تمليه الإعتبارات العملية .[130]
فقد سعي النظام الإيراني منذ الثورة 1979 إلي تصدير أيدلوجية إلي الخارج ,ثم اعلنت الجمهورية الإسلامية نفسها مدافعاً عن القضايا الشيعية لهذا ساندت باستمرار المطالب الهادفة لتحقيق اصلاحات سياسية في البحرين وهي جزيرة ذات اغلبية شيعية وملكية سنية ,كما انتقد النظام الايراني المملكة العربية السعودية لسوء تعاملها مع الاقلية الشيعية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط ,الي جانب ذلك قدم الحرث الثوري الإيراني مساندة جوهرية لنظام الاسد في معركته ضد المعارضة السورية المسلحة التي يغلب عليها الطابع السني لان المبدأ الذي تتوجه الية طهران به نحو الشرق الأوسط هو “تمكين الشيعة “لهذا اهتم النظام الإيراني بالأحزاب والمقاتلين الشيعة بطريقة تشبه كما يقال استراتيجية موسكو تجاه الحركات الشيوعية في دول العالم الثالث اثناء الحرب الباردة بهذه الطريقة استخدمت إيران جيوشاً مختلفة بالوكالة لتحجيم النفوذ السعودي وزيادة نفوذها في المنطقة لصالحها .[131]
وتستغل إيران الشيعة العرب لتوظيفهم في اللعبة الإيرانية الإقليمية ولظروف بناء نفوذها في المنطقة ,كما أن التخوف من التشيع الديني أكثر خوفاً من التشيع السياسي حيث انه يمثل القاعدة والأرضية للتشيع السياسي وخاصة بعد زيادة توطيد الشيعة العرب لعلاقتهم بإيران وقد زاد الحيث عن ان هناك بعض التخوف من انحياز جزء كبير من الشارع العربي والنخب السياسية الي ايران ضد الجانب الأمريكي والإسرائيلي وهذا قد يشكل مشكلة أمنية وسياسية بالنسبة للدول العربية الصديقة وهذا جزء من التخوف الشيعي.[132]
ولذلك فقد بدأت إيران في التفكير في مشروع الهلال الشيعي مع قدوم الثورة الايرانية حيث ان الثورة اعلنت منذ بدايتها أنها ثورة إسلامية وطرحت أطروحات سياسية وفكرية وثقافية غير طائفية لتسوق لنفسها في العالم الاسلامي ولكن بعد مرور الزمن وموت الإمام الخميني ظهرت الناحية المذهبية واضحة فقد كان الملمح المذهبي مستتراً وراء معارك الثورة الإيرانية ولم يظهره الايرانيون الا بعد أن ثبتت الثورة الايرانية اقدامها وبعد الهدوء علي الساحة الإيرانية وفي السنوات الأخيرة ظهر الوجه المذهبي الايراني في افغانستان حيث تحالفت مع الولايات المتحدة الامريكية للقضاء علي طالبان “السنية “وهي التي كانت تطلق علي الولايات المتحدة الشيطان الاكبر كما ان ممارسات الايرانيين انفسهم داخلياً كانت تنم عن وجه مذهبي صارخ خاصة فيما يتعلق بالمسالة الكردية الداخلية حيث لم يكن علي اساس اسلامي واسع بل نظروا للقضية علي أساس انها سنية ومن ثم حاربوا الأكراد من هذا المنطلق كما أن الأقلية السنية في إيران تعاني الأمرين كما يقال وهناك ضغوط شديدة عليها ومقتل لقادتها وائمتها وقد استخدمت ايران الشيعة كأدوات ضغط في المنطقة العربية واستحوذ ذلك علي اهتمام دولي واسع المدي حسب سيل التصريحات والتقارير والتصريحات التي اصدرتها دوائر صنع القرار واجهزة الاستخبارات والمراكز البحثية التي جعلت من الشأن الايراني موضوعا لها . .[133]
وبالإضافة إلي إستخدام إيران للشيعة كأداة ضغط استخدمتها كألية لتنفيذ سياستها الخارجية حيث تهدف الوسائل الايدلوجية الي نشر تطور مثالي لما ينبغي ان يكون علية المجتمع من خلال التأثير في افكار الاخرين فتعتمد علي غرار الالية الثقافية علي توظيف الارث الفكري والإنتاج الثقافي في التأثير علي الوحدات الدولية الأخرى ورغم ان الدستور الايراني ينص علي “الأمة الإسلامية أمة واحدة وعلي الحكومة الايرانية العمل من اجل ذلك “(المادة 1 من الدستور )فإن من طبيعة الأشياء أن تسعي الدولة من الاستفادة من التقارب المذهبي بينها وبين غيرها من المجتمعات كاداه من ادوات السياسة الخارجية فقد اعتمدت ايران كثيرا علي عناصر الهوية الاسلامية عموما والشيعة خصوصا وهو ما جعل مصالحا تلتقي مع الكثير من الحركات والكيانات التي تتبني الخطاب الديني وخاصة الحركات الشيعية وهذا ما جعل سياسة ايران الخارجية اكثر تأثيرا وفعالية وقد كان من أولويات أهداف الجمهورية الإسلامية هي جعل الأيدلوجية الإسلامية تحتل الصدارة خاصة في المجتمعات الشيعية في كل دول العالم ومما يساعدها في ذلك توافر القاعدة الشعبية لإيران البيئة الحاضنة لعلاقتها الاقليمية وخاصة ان تركز الشيعة في العالم هو الشرق الاوسط اذ يمثلون 37.5% من مسلمي المنطقة مما يجعل من البعد المذهبي ملمحاً للسياسة الخارجية الإيرانية في الإقليم مع ضرورة أن هذا الملمح يجري توظيفه بقدر من المرونة والبراغماتية الواضحة والقاعدة الشعبية لإيران مكنتها في التأثير في العديد من القضايا وذلك بدعمها للأطراف الشيعية الموالية لها مثل القوي الشيعية في العراق كحزب الدعوة وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى وهو ما مكنها في التأثير في العراق بعد الاحتلال ,ويري الباحث الايراني “كيهان برزكان “ان استدام التشيع في السياسة الخارجية قديم لكنه اصبح اكثر فاعلية بعد العراق 2003وهو الذي ادي الي تحويل ايران الي دولة متحالفة مع ايران عندما دخل التشيع اليها في انتاج السلطة والسياسة في الشرق الاوسط مما ادي الي تقوية نفوذ إيران أكثر,ويمكن القول ان الجانب الديني قد وفر قدرة تأثير لإيران في محيطها الإقليمي لهذا تعمل علي نشر المذهب الشيعي بالفهم الإيراني المستند إلي ولاية الفقيه الذي تتبناه وتسعي الي تصديره الي دول المنطقة وخصوصاً دول الجوار مما يولد شكوكاً مشروعة ومبررة لدي الدول الأخرى حول نوايا إيران ,حيث يمثل الدين لدي إيران قوي سلاح في ترسانة القوي الناعمة ويشكل معاداه الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل العنصرين الثاني والثالث من عناصر قوتها الناعمة وشكل المذهب الشيعي ولاسيما التفسير الراديكالي الذي صاغته المؤسسة الايرانية الدينية خلال السنوات الثلاثة والثلاثين الماضية العنصر الرابع .
فالملاحظ أن الألية الدينية العقيدية المتمثلة في المذهب الشيعي وفق الإجتهاد الإيراني متمثلة في ولاية الفقيه يعطي إيران قدرة علي التأثير كثيراً في سياستها الخارجية ومن خلال دعمها للأقليات والقوي الشيعية في المناطق المختلفة وان تكون فاعلاً رئيسياً في عدة مناطق مثل العراق ولبنان وسوريا ومنطقة الخليج بما لها من نفوذ لدي بعض القوي الشيعية الداخلية .[134]
وكما اشرنا سابقاًأنه منذ قيام الثورة الإيرانية 1979وتؤدي العقيدة دور الركيزة الأساسية لرؤية إيران الثورة للعلام الخارجي بصفة عامة والخليج بصفة خاصة فقد تميز الخطاب الايراني بإسلامية المفاهيم من خلال الاقتباس الناجح والمؤثر من القران الكريم وهذا ما كان له ابلغ الاثر لجمهور المتلقين للخطاب الايراني لقادة الثورة الإيرانية ,فقد أخذ البعد المذهبي والأيديولوجي في متن وصياغة السياسة الخارجية الإيرانية في أعقاب الثورة يلقي بظلالة علي الانشطة والحركات الايرانية كافة سواء كانت وجهتها إقليمية أو دولية أو حتي قارية حيث سعت سياسة ايران الخارجية بشكل أو باخر إلي تسيس الدين .
ومما هو جدير بالذكر أن نظرية ولاية الفقيه لاقت مؤيدين كثيرين في ايران سواء من المتشددين او الشيعيين لذين شغلوا منصب مجلس الخبراء الاول الذي صاغ اول دستور للثورة ,اذ قدمت الثورة نموذجا لإمكانية تعبئة الشيعة والاقليات بصفة عامة في المنطقة واعتبرت الثورة الايرانية نفسها مسؤولة عن حماية الشيعة في الخليج والدول العربية .[135]
أن اغلب الدراسات علي اختلاف توجهاتها وألياتها البحثية تجمع علي حقيقة أن موضوع التشيع المنظم في سورية بدا في عهد حافظ الأسد الذي كان واعيا للأمر وكان يستخدمه لأغراضه الخاصة فيتحكم سماحاً ومنعاً متي يشاء لكن تصاعد بشكل علني غير مسبوق في عهد بشار الاسد الذي سمح بنشر التشيع دون قيود للنفوذ الايراني برضي يسهل اجهزة النظام وقد انتشر التشيع في ميدان التبادل الثقافي والذي كان الغطاء لنشر التشيع بالرؤية الايرانية عملت علي تثبيت المراكز الثقافية في دمشق واللاذقية وانفقت العديد من الدولارات علي في ترميم المزارات الشيعية في جميع انحاء سورية ,حيث ان هناك اكثر من 500 الف زائر ايراني سنوياً في اطار السياحة الدينية كذلك تمول إيران العديد من الحوزات والمعاهد الدينية الشيعية في سورياً وتستغل هذا التمويل في التبشير في ولاية الفقيه كما سمح النظام ببرامج دينية شيعية في القنوات المحلية والفضائية ويقدم التلفزيون السوري اسبوعيا برنامجا لمدة ساعة للمبشر الشيعي “عبد الحميد المهاجر “وهناك اكثر من 500 حسينية قيد الانشاء وتشير مصادر اخري الي ان هذا العدد يشمل دمشق فقط اضافة الي عمليات التجنيد التي تشمل الشيعة من الايرانيين ومن المهاجرين الايرانيين رغم حرمان الكثير من الأكراد السورية من الجنسية .[136]
اذا كانت لعبت العقيدة دور الركيزة الاساسية لرؤية إيران الثورية للعالم الخارجي خاصة في العقد الأول من عمرها وتعبر مقولة الخميني أصدق تعبير عن ذلك “أننا نواجه الدنيا مواجهه عقائدية ”
حيث تميزت العلاقات الإيرانية السورية بالخصوصية والتفرد فالدولتان تفرقهما الأيدلوجية (علمانية النظام السوري واسلامية النظام الإيراني ) وتجمعهما المصلحة والخصوم (الولايات المتحدة واسرائيل والعراق ) والمنفعة المادية المتبادلة ,وبالرغم من التفاوت في قوة هذه العلاقات الا انها استمرت كما سيتضح في المبحث الثالث والاخير كيف انها استمرت وتخطت أي من المشاكل التي واجه البلدين وخاصة سورية وازمتها لعام 2011 وتجاوز كل ذلك حتي علي مستوي تداخل وشابك المصالح والنفوذ علي الساحة اللبنانية استطاعت الدولتان السيطرة علي التباين في الاساليب وتداخل مناطق النفوذ من اجل استمرا ر هذه العلاقة الحيوية للطرفين فسويا بمثابة مدخل ايران للعالم العربي وايران ورقة ضغط هامة في يد سوريا في مفاوضاتها مع اسرائيل .[137]
اذا كانت الأيدلوجية السورية للنظام الحاكم في ايران هي المحرك الاساسي لعملية صنع السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الخميني وهي المبرر لتوجهات واهداف النظام داخليا وخارجيا وتحديد مصادر التهديد والأعداء والأصدقاء الا ان هذا الدور قد تقلص جزئيا في عهد الخميني وتولي رفسنجاني الحكم لتتقدم عوامل المصلحة القومية علي الاعتبارات الايدلوجية و ذاد ذلك التوجه قوة مع فوز الاصلاحين ووصول خاتمي للسلطة 1997 وبدت السياسات الخارجية لإيران اكثر واقعية فان ايران لديها الرغبة الحقيقية في الخروج من العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الامريكية من خلال سياسة الاحتواء المزدوج ولديها الرغبة في الانفتاح علي دول اوروبا والمعسكر الاسيوي ودول العالم النامي ودول الخليج ولقد نزعت ايران عن التخلي التدريجي عن اهمية المذهب في السياسة الخارجية الايرانية وحل محلها نظرة واقعية تقوم علي تقوم علي اساس تحقيق المصالح القومية للدولة بعد ان تأكد دور الدولة علي حساب الثورة نتيجة سيطرة المعتدلين علي السلطة الامر الذي جعل ايران تنتهج سياسة خارجية اكثر اعتدالا تجاه دول العالم وخاصة نحو دول الخليج المجاورة وبالتالي اصبحت رعاية المصالح القومية هي الركيزة الاساسية للسياسة الخارجية الايرانية .[138]
يظهر بالنهاية ان الطائفية التي تميز السياسة الخارجية الإيرانية تمثل خطا عالي التكلفة وذلك للأسباب الاتية :
اولا :أن الشيعة اقلية صغيرة في العالم الاسلامي ولن يستغرق الوقت طويلا قبل ان تتدهور علاقات ايران مع البلدان ذات الأغلبية السنية مثل اندونيسيا وماليزيا وباكستان
ثانيا :أن إيران بدأت تفقد نفوذها بين الفلسطينيين الذين كان نضالهم ضد الإسرائيليين في قلب السياسة الخارجية الايرانية
ثالثا :لقد جعل التدخل الايراني في العراق وسوريا والبحرين واليمن المجموعات السنية المجهزة للقتال هناك اقرب الي السعودية والبداية ذات الاغلبية السنية مثل تركيا وقطر في الجبهة الداخلية
وبالرغم من امتلاك إيران لأغلبية شيعية فأنها ابعد ما يكون عن التجانس وهناك اقلية سنية عانت كثيرا من التمييز العنصري باختصار يصعب ان تستمر المكاسب التي تحققها ايران علي الدي القصير علي حد قول بعض الدراسات والابحاث .[139]
وبالتالي فان أي حديث عن الأيدلوجيا ومدي تأثيرها في العلاقات بين البلدين ليس هو المعيار الرئيسي في هذه العلاقات بل ان الايدلوجيا تعتبر عاملا مساعدا من العوامل المساعدة التي يتم استخدامها وتوظيفها وقت الحاجة وليس هي الاساس والا فما الذي يجعل نظاما بعثيا لا يهتم بالدين يتحالف مع اكبر نظام ديني في المنطقة او ربما في العالم ؟!وهذا ما سيتضح جليا في المبحث القادم حول العلاقات بين البلدين في ظل الأزمة السورية الي تمر بها سوريا أو ما يطلق علية البعض الحراك الشعبي السوري 2011
المبحث الثالث
العلاقات الإيرانية السورية في ظل الأزمة السورية 2011
أضحت إيران تمثل هاماً خاصة بعد تطورات الربيع العربي وما آلت اليه في العلاقات الإيرانية العربية فأصبح دورها مؤثراً في دعمها للميليشيات المسلحة بالمال والسلاح وتحولت دول عربية الي ساحات حرب اصبح للطرف الشيعي فيها وجود مؤثر في كلا من اليمن والسعودية ولبنان والعراق وخاصة سوريا ونظرا لإدراك الجامعة العربية خطورة الدور الايراني في تفتيت العالم العربي طالب مجلس جامعة الدول العربية في صيف سبتمبر 2015 إيران بالكف عن تدخلاتها في الشؤن الداخلية للدول العربية والتي من شانها ان تقوض بناء الثقة وتهدد الأمن والإستقرار في المنطقة ولكن المسألة لا تحتاج إلي دليل أو برهان خاصة وأن الجمهورية الاسلامية لم تخفي دعمها غير المحدود للنظام السوري من خلال المساعدات العسكرية المباشرة او من خلال حزب الله اللبناني ,فكل المعارك الكبرى التي يخوضها النظام السوري يوجهها الحرس الثوري الايراني وليس القوات النظامية التي تعاني الان خسائر كبيرة علي كل المستويات وكل الاصعدة وهو ما أعترف به الرئيس السوري بشار الاسد حين اعلن اخيرا ان هنات الجيش الك تناقصا كبيرا في عدد قوات الجيش السوري وهذا الامر قد اعطي النظام الايران مزيدا من التغلغل في الاراضي السورية من خلال تدريب وتجهيز الكوادر الجديدة للجيش السوري بل وامتداد الجيش السوري بقوات من الحرث السوري خاصة في ظل استمرا قوات النظام في المعاناة في النقص في التدريب والإمكانات بشكل عام .
وبناء علي ما سبق لم يكن غريبا ان تعلن وسائل اعلام ايرانية وصول قوات حرس ثوري الي سوريا من دفعات جديدة لدعم نظام بشار الاسد ولم يكن غريبا ايضا ان تقوم منظمات حكومية تابعة لنظام بشار الاسد تنظيم فاعليات في الاماكن الخاضعة للنظام في ريف دمشق تحت عنوان “شكرا ايران “كما ان هذا التغلغل في سوريا لم يقتصر علي ادية لجوانب العسكرية فقط بل شمل الاقتصادية حيث قدمت ايران لسوريا منح وقروض للاقتصاد السوري خاصة المناطق التي يسيطر عليها النظام الحالي فاصبح لإيران الدور الاهم في الاقتصاد السوري .[140]
يدعو الموقف الإيراني من الأزمة السورية الي النظر في والتفكير في الاسباب والحيثيات التي جعلت قادته يتعاملون معها وكأنها القضية الاهم بالنسبة اليهم في منطقة الشرق الاوسط كما يدعو الي التفكير في الدور الاقليمي لإيران والمشروع الإيراني الإرتدادي الذي يضرب عمق التاريخ مع العلم ان العرب الذين دخلوا إيران في عابر الزمان دخلوا مسلمين دون ان يكنوا العداء للإيرانيين الذين دخلوا الاسلام دون اكراه ,ويتخذ المشروع الايراني الذي يسعي النظام الايراني الية في المنطقة عبر سورية تكوينات مختلفة ويقف وراءه عقل سياسي يزاوج ما بين الدين والقومية أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبيا من قبل و الدين والطموح القومي الضارب في العمق الأيديولوجي الامر الذي يجمع بين السعي والهيمنة والتغير وهادفة الي تحقيقها بمختلف الوسائل حيث ان قادته لا يقدمون أي تنازلات او مساومة او تسوية حتي وان تعلق الامر بالاسم فقط لدرجة انهم حتي رفضوا تسميته (بالخليج الاسلامي )الذي قدم كحل وسط ويصرون علي تسمية بالخليج الفارسي وقد اطلق الرئيس نجادي علي من يسمونه الخليج العربي (مزوري اسم الخليج ) وادعي انهم لا يملكون ثقافة يضاف الي ذلك رفض النظام الايراني اية مساومات ايضا او مفاوضات حيال مسالة الجذر الإماراتية الثلاث المحتلة والمتنازع عليها .[141]
إن التحول الأكثر هيمنة في مسار العلاقات الإيرانية السورية قدمت مع اندلاع شرارة التظاهرات في درعا في مارس 2011عند هذه النقطة تحولت سوريا بالنسبة لإيران رهان استراتيجي وهذا لا يرتبط بالسياق العام لمصالح ايران الاقليمية بل بجوهر الامن القومي الايراني ومستقبل ايران كدولة وهو بهذا رهان وجود وهو ما سيتضح من تناول الازمة الايرانية من قبل ايران .[142]
وفي ظل الحراك الشعبي السوري المطالب بتغيير النظام ودخول سوريا في ازمة امنية ابرز بوضوح الدعم الايراني الكبير لنظام بشار الاسد وشهد هذا الدعم ابعادا مختلفة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وظهر حجم وتضمين سوريا في الاستراتيجية الايرانية في المنطقة .[143]
وقد شهد الموقف الايراني في تعاطيه من الحراك الشعبي السوري موقفا متدرجا منذ بدايته لكنة ارتبط دائما بالتعامل والادراك الامني ومع التطور في الاحداث واتساع رقعة المواجهات الامنية توضح حجم التدخل الايراني من خلال الدعم العسكري والمالي ومن خلال الضغط علي حلفائها لدعم النظام .
وهذا مؤشر يوضح الي أي مدي يمثل النظام السوري رهان استراتيجي بالنسبة لإيران ودورها ونفوذها الاقليمي ,إذ تعتقد إيران أن سقوط حليفها السوري يعني تراجع دورها في المنطقة كما قد يساهم الي امتداد الاحتجاجات الي داخلها خاصة بعد الانتفاضة الشعبية التي اعقبت الانتخابات النهائية في عام 2009 والتي عرفت بالحركة الخضراء .
إن اندلاع الإحتجاجات الشعبية في سوريا وضع ايران في موقف حرج تختار فيه بين النظام الحليف وبين المكانة الإيرانية لدي الشعوب العربية والاسلامية في تناقض مع شعاراتها التي استمرت في رفعها واختارت أن ترمي بثقلها خلف النظام السوري وهو ما اضعف من شعبيتها في وجهات النظر عديدة دولياً وفي المنطقة ,كما ساهم في تورط حليفها حزب الله في القتال لدائر في سوريا وتوترت علاقاتها بالمقاومة الفلسطينية حماس ,حيث تنظر ايران للحراك الشعبي السوري علي انه مؤامرة ضدها وضد حلفائها كما اعلن المرشد الأعلى في خطابة الذي القاه في ذكري رحيل الخميني يونيو2011في تبريره للحراك الثوري حيث راي انه مؤامرة ومخطط امريكي صهيوني وايضا وصفها الحرس الثوري بانها مؤامرة خارجية ,وقد دعمت ايران جهود النظام بقوة حيث قدمت الخبرات اللازمة للتغلب علي المعارضة كما وفرت المشورة في كيفية مواجه الاحتجاجات وقمعها من خلال التوجيه والمساعدة التقنية في كيفية رصد وتقليص استخدام شبكات الإنترنت والهاتف المحمول من قبل المعارضة بالإضافة الي ارسال قوات الحرس الثوري ايضا للقتال علي الارض في سوريا كما ذكر سلفا .[144]
شكلت الحرب الأهلية كما يطلق عليها البعض ايضا في سوريا تحديا معقدا لمديري الامن الايراني نوياتي ذلك بسبب العلاقة التاريخية الوطيدة والوثيقة مع سوريا وحاجة ايران لي العمق الإستراتيجي ,ولذلك فان إيران تبدي التزاماً بالمحافظة علي سيادة حكومة بشار الاسد بالإضافة إلي نظرتها إلي الصراع علي أنه حاسم لمصالحها الامنية في الشرق الأوسط وقد اثبتت إيران التزامها علي أرض الواقع حين قدمت الدعم لسوريا والنظام السوري علي كافة المستويات بدء بالتدخل العسكري السري من القوات الخاصة الايرانية وصولا الي نشر ميليشيات شيعية مدعومة من ايران تقاتل جمبا الي جمب مع القوات السورية التقليدية ,ونظرا للمخاطر الوجودية التي لاتزال تخدم الاسد وكذلك المخاطر العالمية التي تتعرض لها المصالح الإيرانية في المنطقة فمن المرجح ان تحافظ ايران علي مستوى الدعم للحكومة السورية أو ربما تلجأ الي زيادته وتعزيزه في اكبر مشاركة عسكرية ايرانية منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات وتتجلي المذهبية في هذه العلاقات جليا ان حزب البعث السوري الحاكم يمتاز بانة حزب علماني نظريا ويناصر القومية العربية ,وهو ما يشير بشكل سطحي الي صعوبة التعايش مع النظام الثيوقراطي الايراني هذا بالإضافة الي انتماء الاسد الي سلالة الاقلية العلوية في البلاد وهو ما جعل تخويلهم للحكم علي مدي اربعة عقود مساله غير مناسبة ,حيث توصف العلوية بأنها شيعة غير تقليدية أوهم متمركزون حول “علي” وتاريخيا كإنو خارج نطاق التيار المذهبي الشيعي ,فلقد لعب الدين دورا رئيسيا في تحفيز المتطوعين الأجانب من الطائفة الشيعية للقتال بالنيابة عن حكومة الاسد سواء كانوا من العراق وباكستان او حتي من بين اللاجئين الافغان المتواجدين في ايران واما عن وجهة نظر دولة اسلامية شيعية المذهب كإيران فان النظام السوري ساعد في تشكيل بيئة صديقة للشيعة وكذلك كانت العلاقات بين إيران والنظام السوري .[145]
ويحدث الدعم الايراني لسوريا فور تقاطع العباءة الايدلوجية للنظام الايراني مع المصالح الاستراتيجية للبلاد ووفق هذه الحسابات فمن المرجح جدا ان تبقي الحكومة وتحديدا الحرس الثوري علي ولائها لنظام الاسد في سوريا خلال المستقبل المنظور لان الحفاظ لي سوريا الصديقة لإيران هو المفتاح للمصالح الاستراتيجية الاقليمية الايرانية فضلا علن الحفاظ علي الشرعية الأيدولوجية لإيران كمدافع عن الاسلام وعدوا لما تعتبره تطرفا سنيا ونتيجة لذلك فمن المرجح أن يظل الانخراط الايراني في العمليات داخل سوريا مستمرا طالما ظلت هذه التهديدات حاضرة في العقلية الايرانية الامنية ولن تتوقف عن تدخلاتها الا في حالة اصبحت تكلفتها عالية عليها ولكن نظرا للأهمية التي تمثلها سوريا بالنسبة لإيران فانة من المرجح ان تضمن ايران اكثر حتي ولو واجهت مستوي اكبر من الخسائر الحالية بكثير ,اما الميليشيات الشيعية في سوريا فيبقي دورها اقل وضوحا او غير محدد في سوريا المستقبلية باستثناء الميليشيات المتواجدة في ريف حلف الجنوبية التي يثير العديد من الاسئلة عند عودة المجتمع السني السوري الي هذه المناطق بعد هدوء القتال ,مثل هذه المواقف يمكنها من الناحية النظرية ان توفر مزيدا من الفرص للتدخل الايراني في نسج الحياه السياسية السورية مستقبلاً.
أما عن مالأت المستقبل وبعد وقف القتال ف سوريا من المرجح ان يمتلك ايران رايا اكثر مباشرة في الشؤن الداخلية السورية حيث ستسعي طهران للحفاظ علي حكامة صديقة لإيران في دمشق وهي بالفعل وجدت حليفا يوثق فيه في الاسد والحرب الاهلية الحالية قربت البلدين كثيرا لكنها بكل تأكيد وضعت سوريا في مديونية عالية لإيران وهو ما يعني توسيعا لفرص ايران المتاحة داخل البلاد وفي المستقبل القريب يبدا اعضاء الحرث السوري جهودا عادة الاعمار وتحصيل عقود مربحة في سوريا المستقرة لتعميق البصمة الايرانية وهو ما سيساعد نظام الاسد بسيادة البلاد وعل الجانب الاخر في حالة سقوطه لا يمكن توقع أي خلفية ودية للعلاقات بين ايران والمنتصرين ومن المرجح ان يعاني الحرس الثوري الايراني من انتكاسة كبيرة في العلاقات الايرانية –السورية ويعيدها اجيال للوراء خاصة اذا ما تمكن السنة المظلومين من الوصول والسيطرة علي مقاليد الحكم في البلاد .
وبالرغم من ورود هذا الاحتمال من بين الاحتمالات الا ان العلاقات الايرانية السورية لاتزال صامدة حتي الان ومن المتوقع ان تشكل الحرب الاهلية ونتائجها حدثا فاصلا يمتلك تداعيات طويلة الامد علي العلاقة بين الدولتين كما كانت الحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات .[146]
مما سبق نلاحظ انه يقف البعد الطائفي بالإضافة الي البعد المصلحي وراء تأثير ايران وتعاونها مع حزب الله في الدفاع عن نظام بشار الاسد ,ويتضح ذلك في مقالة نشرتها “لوجورنال “الفرنسية حول الدور الذي يلعبه حزب الله في سوريا مبينا خلاله ان الحزب يعتبر دفاعا عن نظام بشار وهو فرض وواجب حيث ان سقوط الاسد يعني خسارة تاريخية في معركة طائفية بين السنة المدعومين جزئيا من المملكة العربية السعودية والشيعة المدعومين من ايران هذا فضلا عن ان حزب الله يري ان اسرائيل تسعي للإطاحة ببشار الاسد ونظامه وهو ما ترفضه ايران وحزب الله ولذلك ينطلق الدعم الايراني لحزب الله الذي يصب في مصلحة نظام الاسد من مبادئ دينية وعقائدية وبرجماتية واضحة وثابتة لدي الطرفين ووفقا لمعطيات سياسية واقتصادية سيكون من المستبعد ان تخرج ايران او تخفف علي الاقل من حدة تدخلاتها ودورها في الازمة فهي تمثل بالنسبة لها ورقة ضغط تسعي من خلالها كما سبق تحقيق اهدافها العقائدية المتمثلة في تحجيم الدولة الاسلامية وتهديد اسرائيل والإستراتيجية المتمثلة في إمتلاكها لقوة نووية رادعة أو تكتل عربي محتمل .[147]
اضافة الي ما سبق وبنظرة اقرب الي الواقع الحالي فان ايران قامت في الآونة الاخيرة بتعزيز وجودها العسكري في سوريا وذلك بعد الإنسحاب الروسي الجزئي وعشية استئناف مفاوضات جنيف تتمسك طهران بكل قوة بحصتها من الورقة السورية وترفض التسليم لموسكو والتسليم بحل سياسي يمكن ان يمس مصالحها علي المدي المتوسط .
إن هذا الإصرار الإيراني علي التمسك بديموميه المنظمة الاسدية ليس بالمستغرب ويمثل ابرز ثوابت السياسة العربية لطهران منذ حقبة حرب العراق –ايرا في الثمانينيات ,اذان النظام السوري يمثل الجوهرة في تاج المشروع الامبراطوري الايراني ونظرا لأهمية البلاد التاريخية والاستراتيجية ولأنها جسر الوصول إلي لبنان المؤول الأول لنجاح الثورة الخمينية في تصدير نفسها ونموذجها
وفي ظل صدام المشاريع الإقليمية والدولية في “اللعبة الكبرى الجديدة “الدائرة انطلاقا من المشروع نظرت الجمهورية الإسلامية بالفعل الي سوريا علي انها المحافظة الايرانية ال 35!
وان تغير النظام فيها يمس إيران ومشروعها وربما نظامها ولذلك تصرفت طهران منذ الايام الاولى للحراك الشعبي السوري السلمي ونصحت بالقمع وفق طريق قمع انتفاضة 2009 في ايران ,ورمت ايران بكل ثقلها في المعركة السورية عبر دعمها المالي والاقتصادي علي الرغم من العقوبات المفروضة عليها دولياً وتذويد النظام بالخبرات في الاتصالات والحرب الالكترونية ودفعت بعدها بمستشاريها العسكرين وكوادر الحرس الثوري وصولاًإلي حزب الله بدعم متصاعد منذ2012 بالتوازي مع اقتحام عدة ميليشيات عراقية ولواء الفاطميين الأفغان ولواء الزينبين الباكستاني وعناصر اخري في معركة مقدسة تحت ستار الحفاظ علي المزارات الدينية ومحاربه الارهاب ولكنها كانت في العمق معركة تثبيت النفوذ الايراني وسط العالم العربي .
ومذ ربيع العام الماضي تغيرت الاوضاع في المنطقة مع حرب اليمن وتطور لوضع السوري حيث أن تباهي إيران بالسيطرة علي العواصم العربية وجد من يقاومه خاصة بعد الامساك بالوضع في البحرين وفشل خطط زعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة بالإضافة اليي سد مسعي استخدام اليمن كمنصة ضد الامن السعودي والخليجي والعربي وجاءت الاجراءات السعودية والعربية ضد حزب لله اللبناني في نفس هذا السياق للسعي لصد المشروع الايراني ,وهكذا تدني بوضوح سبب التشبث الايراني بالورقة السورية لإبقاء نفوذها باي ثمن لأن إيران لم يعد لديه العديد من المساحات وحرية الحركة في مساحات أخري .
ومنذ عام 2011كان الوجود الإيراني في سوريا وجودا تعطيلاً لكل افق تغير اوحل سياسي واقعي في دمشق وقبل ذلك بكثير إيران موجودة في سورية وفي قلب الحلقة الاولي من النظام نظرا لتلقي نظام الاسد خيار والدة الإستراتيجي المتمثل في توازن عربي ظاهري والحلف مع الجمهورية الاسلامية , ومن هنا بدا موقف طهران لا يتزحزح بمعني ان بشار هو النظام والنظام هو جوهرة المحور الامبراطوري الايراني وممره او مدخلة نحو ادارة رئيسية في الاقليم هو حزب الله ,وهكذا منذ اعتماد وثيقة جنيف 2012الي القرار الدولي 2245 في 2015 ومفاوضات جنيف 2011 تركز كل الجهد الايراني علي اعادة تأهيل النظام والسعي لمنع موسكو للوصول الي اجراء تفاهمات حيال مصير الاسد بالذات !
لكل هذه الاسباب تمثل الجولة القادمة من مفاوضات جنيف (اختبارا حقيقيا لمصداقية روسيا) وامتحانا لقبول ايران التخلي عن دورها التعطيلي بعد كل هذا الاستثمار علي الساحة السورية .
علي الأرجح أن يستمر الانقلاب الايراني ضد كل فرص الحل السياسي الواقعي لان الهدف الفعلي لطهران في حال عدم القدرة علي اعادة تأهيل النظام واعادة سيطرته علي كل سوريا مما يضمن مصالحها الحيوية وديموميه مشروعها الاقليمي بالكتفاء بجزء من سوريا .[148]
الخاتمة:
أبسط ما يمكن طرحة وملاحظته من خلال البحث السابق وما تم ملاحظته حتي والتي لم تشتمل علية الدراسة من البحث بسبب ما يطرأ كل يوم من جديد علي الاوضاع والحرب الدائرة في سوريا وخاصة في الايام القليلة الماضية من توجيه ضربة امريكية باعتبارها ردا علي استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية الي القاعدة العسكرية في سوريا والتي اعتبرها النظام السوري بمثابة تدخل سافر من الولايات المتحدة وبانها تساعد علي دعم الإرهاب فان كثيرا من الباحثين والمحللين السياسيين وكذلك مسؤولين كبار تابعين للنظام السورين لسورين قد ادلو بمعلوماتأن النظام السوري لم يستخدم طائرات تحمل الاسلحة او الذخائر الكيماوية وان هذا الملف بشان الأسلحة الكيماوية انتهي امرة حين قامت الامم المتحدة بإرسال الخبراء في عام 2015 إلي سوريا والتأكد من عدم استخدام هذه الاسلحة ولكن اعلن حينها ان الممتلكين للأسلحة الكيماوية او كانت تحت سيطرتهم هي جبهة النصرة (الإرهابيين )ولم تتمكن القوات الاممية من العثور عليها ولذلك حين حدد النظام او الجيش السوري مواقع اسلحة للإرهابين لضربها مباشرة قامت جبهة النصرة بوضع هذه الاسلحة الكيماوية في هذا المكان وحين قام النظام السوري بضربها انفجرت الأسلحة الكيماوية وبدا للعالم وكان الطائرات التابعة للجيش السوري تحمل الاسلحة الكيماوية وهذا ما حدث فبناء علي معلومات مغلوطة للمعارضة من جانب الارهابين وصلت الي الولايات المتحدة وعلي اساسها قامت بالضربة بسبب استغاثة المعاضة الارهابية وبالإضافة الي انها من خلالها وجه عدة رسائل ايضا الي النظام السوري واستكمال مفاوضات جنيف ,كذلك رسالة الي كوريا الشمالية والصين بانها اذا ما أرادت توجيه مثل هذه الضربة الي كوريا الشمالية لن تتردد, أيضا وهو الاهم ان الولايات المتحدة اصبحت شعبيتها لدي الشعب الامريكي بعد القيادة الجديدة في الحضيض فأرادت كما يقال حفظ ماء وجهها !
أما عن الأدهى والأعجب اننا لا ننسي أن سوريا دولة عربية وهذا ما غاب عن معظم العرب وان الامر اليوم لم يتعلق بكون وجود بشار او رحيلة وإنما الدولة السورية فبكل اسف بعد هذه الضربة اول من يؤيدها هم “العرب ” وفي اول تصريحات كانت “الحرب يرحبون “العرب يهللون “بالرغم من ان اسرائيل نفسها كانت تصريحاتها اخف علي القلب من تصريحات العرب في نظري حيث صرحت ب “نحن نحزن علي الشعب السوري “” باستثناء مصر التي تعلم جيدا من تكون الدولة السورية ! ولا القي اللوم علي سوريا ان ارتمت في أحضان ايران لأنها لم تجد عرب!
الفصل الثالث
“السياسة الخارجية الايرانية تجاه لبنان منذ 2005 “
مقدمة:
اجتهدَ العديدُ من الدارسينِ في تناولِ الدور النشط للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول الشرق اوسطية قاطبةٍ وتجاه لبنان علي وجه الخصوص ومعرفة محددتها والبحث في جذورها , حيث تعد لبنان ساحة للصراعات الاقليمية والدولية وذلك بكونها دولةً متعددة الطوائف, وتحظي لبنان باهمية كبيرة في الإستراتيجية الأمنية الإيرانية كونها تتداخل مع إيران ثقافياً وأمنياً, ويمثل العامل الثقافي والديني بعداً ذات اهمية كبيرة في طبيعية العلاقات الإيرانية اللبنانية([149]), وتتمتع ايران بأهمية إستراتيجية جعل لها دوراً مميزاً سواء فيما قبل الثورة الإسلامية حيث لعبت دور الحارس لمصالح الدول الغربية الكبري في المنطقة أو بعد الثورة الإسلامية وتفردها بدوراً مستقلاً وسياسةٍ خارجيةٍ لها اهدافها وطبيعتها الخاصة, وبرزت الثورة الاسلامية الايرانية بعض الاشكاليات الثنائية في طبيعية السياسة الخارجية الايرانية من حيث كونها براجماتية او ايديولوجية وثنائية السلطات المخولة بصنع القرار دستورية ام ثورية وكذلك الثنائية الحاكمة محافظة ام اصلاحية , من حيث الايديولوجية ام البرجماتية ,تخلق ايران نظرية سياسية للحكم الاسلامي تري فيها حل لجميع مشاكل العالم الاسلامي , ويمثل الاسلام العقيده الحاكمة للجمهورية الإيرانية كبعد ايديولوجي ([150]),ومن ناحية اخري يري الكثير أن سياسة ايران الخارجية مابعد الثورة الإسلامية هي برجماتية بالاساس تسعي لتحقيق أهداف معينة.
بينما تتمثل الثنائية الأخري في الإزدواجية فتوجد مؤسسات دستورية ومؤسسات ثورية فعلاوة علي وجود رئيس للدولة الايرانية كذلك يوجد القائد الاعلي “الوالي الفقية” ومع وجود جيش للدولة الايرانية يوجد جيش الحرس الايراني او حرث الثورة الايرانية وعقيدتها الاسلامية الشيعية([151]) , الدستور الإيراني يمنح سلطات واسعه للولي الفقية وهو اعلي سلطة موجوده في البلاد وحاكم لكل المؤسسات([152]).
اضف الي ذلك التنافس السياسي علي السلطة بين التيار المحافظ والتيار الاصلاحي وانعكاس مبادئ كلا التيارين علي السياسة الخارجية للبلاد , فنجد ان التيار المحافظ ينتهج خطابا صداميا وبينتقد المؤسسات العالمية علي انها تخالف روح التعاليم الإسلامية, بينما الإصلاحيون هم اكثر انفتاحا وسعيا للديمقراطيه ومحاولتهم تقليل نفوذ المؤسسات الثورية واعلاء قيمة الدولة والدستورية.
اجمالاً يمكن القول ان السياسة الإيرانية بعد سقوط الشاه في عام 1979م وتثبيت اركان الثورة الاسلامية انتهجت القيادة السياسية نهجاً راديكالي استند علي قاعدة دينية وفقاً للمذهب الشيعي ومن هنا بدأ التأثير للقيادة الجديدة ينعكس علي توجهات سياسة إيران الخارجية والأمنية ولهذا فقد جاء تصور إيران للأمن في المنطقة العربية انعكاساً لفكرها السياسي المستند للمذهب الشيعي, ولهذا فإيران تستند في إستراتيجيتها تجاه المنطقة العربية علي أنها الدولة الإسلامية الوحيدة في العالم العربي وبالتالي فهي الوصي علي الإسلام([153]) .
ومن ناحية اخري تنطلق سياسة ايران الخارجية في المسائل الاقليمية وفقا لمنطق الخوض في الامور الاقليمية يؤدي الي تثبيت الدور السياسي والامني لايران في المنطقه , ويزيد اهمية ايران الاستراتيجية في النظام العالمي والنظر اليها كفاعل رئيسي في منطقة الشرق الاوسط([154]).
وبناء علي ماتقدم فإننا في هذا الفصل سنقوم بالقاء الضوء علي طبيعية العلاقة التاريخية الايرانية اللبنانية ومحاولة تحليل السياسة الخارجية الايرانية ومعرفة محددتها بوجه عام وتجاه لبنان بصفة خاصة , وكذلك اظهار ادوات والاليات المتستخدمه من قبل الدول الايرانية في جذب وكسب ارضية شعبية لها في دول الجوار ولبنان علي وجه التحديد.
ومن هنا سنقوم بتفنيد ومناقشة:
1- النشأة التاريخية للعلاقات الايرانية اللبنانية :
دوافع اهتمام ايران بالدولة اللبنانية.
مراحل تطور النفوذ الايراني في لبنان.
أهمية البعد الديني في العلاقات الإيرانية اللبنانية
القوة الصلبة الايرانية تجاه لبنان
2- تحليل السياسة الخارجية الايرانية تجاه لبنان منذ 2005
– محدادات السياسة الخارجية الإيرانية.
– الأليات الناعمة للسياسة الخارجية الايرانية تجاه لبنان.
– وضع لبنان بعد التدخلات الإيرانية.
المبحث الأول
النشأة التاريخية للعلاقات الإيرانية اللبنانية
مقدمة :
قبل أن نخوض في الحديث عن واقع العلاقات الايرانية اللبنانية في وقتنا الحاضر , يجب إلقاء الضوء على الجذور التاريخية التى نتجت عنها تلك العلاقة , ومن هنا يجب التوجه إلى موجات الهجرة التاريخية والتبادل الثقافي بينهما([155]) . ففي العهد الصفوي قام عدد كبير من العلماء المسلمين بالهجرة من لبنان إلى إيران , وقد مهدت تلك الهجرة تحولاً في الفقه والفكر الإسلامي , ومازالت بعض الجامعات في إيران تدرس كتب هؤلاء العلماء بالرغم من مضي عدد من القرون على تلك الهجرة . كما هاجر عدد من العائلات الإيرانية خلال العقود التاريخية المختلفة إلى لبنان . وبالرغم من هذا التبادل العميق بين البلدين , فقد شهدت العلاقات بينهم بعض المد والجزر ولكنها لم تنقطع يوما حتى قبل اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975م . حيث أن لبنان تحتل مكانة هائلة في قلب إيران . فلها الثورة والشعب والقيادة , كما كان للإمام ( الخميني ) الكثير من الحب والولاء لدى الشريحة الهامة من اللبنانيين([156]).
علاوة علي وجود بعض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ترجع إلى عام 1912م وهو تاريخ انشاء أول قنصلية إيرانية في لبنان , والتي تحولت في عام 1927م إلى قنصلية لكل من لبنان وسوريا وفلسطين وكان مركزها بيروت.
وبالإضافة إلى تلك العلاقات والتبادل المذكور اعلاه , تعد إيران من أوائل الدول التي اعترفت بلبنان دولة مستقلة عام 1943م ووسعت من مستوى علاقاتهما معا وشهدت العلاقات قفزة نوعية وتطورت بينهما العلاقات الإستراتيجية المميزة على المستوى السياسي , كما شهدت بعد ذلك تطوراً في العلاقات الاقتصادية والتجارية , فقد عقدت الدولتين خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الإجتماعات فيما عرف باللجنة الاقتصادية المشتركة , والتي انتهت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات المختلفة([157]).
أما بالنسبة للعلاقات السياسية فبدأت رسميا في عهد الرئيس اللبناني الراحل (كميل شمعون ) بين عامي 1952 : 1958 , حيث تم إنشاء “حلف بغداد” والذي كانت إيران جزءا منه , فقد ساهم هذا الحلف في التقارب الإيراني اللبناني , وازداد هذا التقارب بزيارة “شاه إيران” إلى لبنان عام 1957, ثم مجئ الامام (موسى الصدر) إلى لبنان عام 1958 وذلك بالاتفاق والتنسيق مع (الشاه) الذي كان قد أسس علاقة مع “الجمعية العالمية الشيعية” ومن ثم قام (الشاه ) أيضا بتمويل بناء مسجد الصفاء في بيروت , وتولى (الصدر ) أمامة هذا المسجد , حيث تمكن بذلك من خلال شخصيته ومكانته العلمية وامتداده الإيراني من أن يحظى برعاية القوى السياسية والرؤساء , واستطاع من موقعه الديني أن يتحكم في تأثيرات اللعبة السياسية وأنشأ حركة شعبية عرفت ب (حركة المحرومين ) ([158]) لتواجه القوة الشيعية التقليدية , خصوصا أن الجو الشيعي حينها كان ينصب نحو الحركات التحررية .
ومن هنا يمكننا القول بأنه : تعددت العلاقات بين كل من إيران ولبنان واختلفت مجالاتها واهدافها لكلا البلدين, وفي هذا الإطار يمكننا توضيح الاتي:
دوافع أهتمام إيران ب لبنان .( 1- دوافع داخلية , 2- دوافع إقليمية )
دوافع تطور طبيعة العلاقات الإيرانية اللبنانية ومن ثم توطيد العلاقة بينهم .
موقف إيران من حرب لبنان 2006 ( حرب تموز ) .
مراحل تطور النفوذ الإيراني في لبنان .
القوة الصلبة الإيرانية تجاه لبنان ( العسكرية والاقتصادية )
أولاً :- دوافع اهتمام إيران بلبنان :
تتعدد أسباب اهتمام ايران بلبنان , وهذا يرجع بالأساس إلى رغبة إيران في تعظيم نفوذها من خلال المناطق التابعة لها والتي ارتبطت بقيام الثورة الإسلامية في إيران , وهناك دوافع داخلية لإيران وأخرى إقليمية([159]) .
1-الدوافع الداخية([160]) :-
وهي تتمثل في حاجة إيران الملحة إلى تقوية الجبهة الداخلية لها والالتفاف حول هدف واحد وهو مناصرة الجماعات الشيعية المضطهدة على حد تعبيرهم , حيث تكمن الرغبة الخفية وراء هذا الهدف والتي تتعلق بالحفاظ على الهيكل العام للنظام السياسي الذي وضعته الثورة الإسلامية الإيرانية والذي جاء على قمته المرشد الأعلى , ولهذا تبنت الثورة الإيرانية بعض الشعارات الدينية من أجل كسب تعاطف الشعوب العربية بالمنطقة , كما جعل النموذج الإيراني (الثورة ) هي النموذج الأمثل لنصرة الإسلام ومن ثم تقوية النظام داخليا وتوفير كامل الأمان له .
ومن ناحية اخري حققت تلك الشعارات رواجاً ونجاحا كبيراً , وربحت إيران قاعدة شعبية هائلة بين شعوب المنطقة في بداية الأمر , وتم اعتبارها قدوة تحتذي بها من قبل شعوب الدول العربية , ومن هنا وبعدما وجدت إيران أرضية خصبة لنفسها للتحرك والانتشار من خلال الشعارات الدينية السابق ذكرها , عملت إلى أنشاء مجموعة من الحركات المؤيدة لها ف العالم العربي , وقامت بإنشاء ” حزب الله “في لبنان و ” الحركة الحوثية ” في اليمن .
2-الدوافع الإقليمية([161]):-
وهذا الجانب يتعلق في الأساس بتوسيع وتقوية النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط كاملا, من خلال :
1- تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الإقليم , لتعزيز وتقوية النفوذ الإيراني في العالم العربي, وأيضا محاصرة المشروعات الأخرى التي تمكن من احتواء الدور الإيراني .
2- نشر ” التشيع “ والذي كانت لبنته الأساسية تتمثل في الاعتماد على الطوائف الشيعية الموجودة في العالم العربي لتحقيق هذا الهدف , وهذا يستهدف بالتطبع إلى تكوين كيانات شيعية قوية في الدول العربية لمساندة السياسات الإيرانية في المنطقة .
ويمكن التدليل على ذلك من خلال : حرب حزب الله الذي ينخرط في سوريا بأمر مباشر من ولاية الفقيه في ” طهران ” , ولمزيد من التوضيح يعد ” حزب الله ” الذراع العسكري الأول لإيران في الوطن العربي , وهذا يظهر واضحا من خلال الدور الإيراني في إنشاء الحزب المنبثق عن حركة ” أمل ” اللبنانية , وأيضا في البيان التأسيسي لنشأة الحزب , حيث يعكس الهوية الإيرانية -لحزب الله([162]).
ثانيا:-دوافع تطور طبيعة العلاقات الإيرانية اللبنانية ومن ثم توطيد العلاقة بينهم.
1-العلاقات الإيرانية العراقية ([163])( 1980 : 1988 ).
2-الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 .([164])
1- لقد تسبب الحدث الأول في جعل أولويات إيران هي الصمود في تلك الحرب والدفاع عن نفسها , وساءت علاقات إيران مع معظم الدول العربية بسبب تلك الحرب , وذلك لوقوفها بجانب العراق ودعمها لها بكافة الوسائل الحربية , وكان من الممكن ألا تهتم إيران بتطوير علاقاتها مع لبنان بسبب عدم وجود أي دور لها في هذه الحرب , كما كانت لبنان في تلك الآونة لاتزال تعيش مخاض الحرب الأهلية , ولم تكن مؤسساتها صالحة للتدخل بأي شكل من الأشكال في تلك الحرب , حيث كانت في حالة من الضعف والإنهاك .
2 – الاجتياح الإسرائيلي للبنان , لقد قلب هذا الحدث موازين الأحوال اللبنانية رأسا على عقب , حيث خرجت ” منظمة التحرير الفلسطينية ” من لبنان واحتلت اسرائيل العاصمة بيروت .
ولكن من ناحية أخرى قامت إيران بتشجيع لبنان , وأفتى قائد الثورة “الخمائيني ” بتشكيل مقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي , ومن ثم بعد عام 1982 ارتكزت علاقات إيران مع القوى الغير رسمية في لبنان ( أي القوى المناهضة للإحتلال الإسرائيلي ) , وذلك بداية من ” حزب الله ” الذي تأسس مؤخرا كحركة مقاومة , إلى ” الأحزاب اللبنانية الأخرى ” التي قامت طهران باستقبالها في زيارات عدة . في هذه الآونة كان دور الدولة (الدور الرسمي ) هو الدور الأضعف والأقل تأثير وفاعلية , وأثناء اتفاق ” الطائف ” وقفت إيران إلى جانب القوى المناهضة لهذا الاتفاق , مما أدى إلى قطع العلاقات الرسمية مع لبنان , ولقد تزامن اتفاق ” الطائف ” في لبنان مع توقف الحرب ( العراقية الإيرانية ) , ونتج عن هذا الاتفاق نهاية الحرب الأهلية , وبداية طريق جديد في شكل العلاقات (الإيرانية اللبنانية ) , حيث بعد ذلك الاتفاق اصبحت العلاقات الإيرانية أكثر ثباتا ووضوحا مع لبنان كدولة , وقد قامت طهران بتوقيع عشرات الاتفاقيات مع لبنان في كافة المجالات , وكذلك احتفظت طهران بكامل علاقاتها مع القوى الغير رسمية المناهضة في لبنان وفي مقدمتها “حزب الله” وظلت العلاقات الإيرانية اللبنانية محتفظ بمستوى من الاستقرار حتى تم اغتيال ” الرئيس الحريري” عام 2005 , ومن هذا الحدث حدث بعض الانقسام في السطلة بلبنان , مما أدى إلى أخذ مواقف متشددة مع إيران وتم اتهامها بالتدخل في شؤونها , ولكن ما لبثت أن عادت العلاقات اللبنانية الإيرانية إلى الاستقرار مرة أخرى بعد عودة التفاهم بين سوريا ولبنان عام 2010 , ولقد تم تبادل الزيارات من المسؤلين في كلا الدولتين وتوقيع اتفاقيات عدة في كافة المجالات ([165]).
ثالثاً:- مراحل تطور النفوذ الإيراني في لبنان :
1-قبل اتفاق ” الطائف “ : حيث كانت لبنان تعاني حرب أهلية شديدة اندلعت عام 1975 ودامت لأكثر من 15 عام , وفي نفس الوقت قامت الثورة الإيرانية , وبعد نجاحها وتشكيل النظام السياسي الإيراني اتجهت ” طهران ” نحول دول الإقليم ومن بينها ” لبنان ” كما وضحنا سابقا أهمية لبنان بالنسبة إليها , حيث كانت تمتلك طائفة شيعية كبيرة في ذلك الوقت , و استغلت “طهران” الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 , فقامت بإرسال مجموعة كبيرة من الحرس الثوري إلى وادي البقاع في لبنان , وتم اتصال هذه المجموعة بالتيار التابع لطهران داخل حركة ” أمل ” , واتفاقهم على تشكيل حزبا جديد تابعا لنظام ولاية ” الفقيه الإيراني” , فحدث انشقاق “حزب اللـه” عن حركة “أمل” وتم الإعلان عن تأسيسه عام 1985. ومنذ ذلك التاريخ و”حزب اللـه” يتلقى دعما إيرانيا في كل المستويات المالية والإعلامية والسياسية والعسكرية([166]).
2- عقب اتفاق “الطائف” : لقد تطور النفوذ الإيراني بعد هذا الاتفاق عام 1989 , والذي نتج عنه انتهاء الحرب الأهلية وتم نزع السلاح من كل الميلشيات المسلحة ماعدا ” حزب الله ” لم ينزع منه السلاح باعتبار أنه حركة مقاومة, لذا استغلت طهران هذا الوضع لتقديم المزيد من الدعم لحزب الله.
وبالرغم من ذلك فقد تعثر النفوذ الإيراني في لبنان قليلا في تلك الفترة , وذلك بسبب الصدامات بين حركة ” أمل ” السورية في لبنان المعارضة للسياسات الإيرانية في لبنان و ” حزب الله ” , واستمر تلك الصدامات لمدة 10 سنوات ثم انتهت لصالح ” حزب الله “([167]) .
3-بعد انسحاب سوريا من لبنان : لقد تعمق الدور الإيراني في لبنان بعد اتفاق “الطائف” والاتفاقات التي جرت مع النظام السياسي السوري وخاصة بعدما تولى بشار الأسد رئاسة دمشق عام 2000, ولذلك أصبح النفوذ الإيراني في لبنان في مأزق شديد بعد انسحاب سوريا من لبنان عقب تفجير موكب رئيس الوزراء السابق ” رفيق الحريري ” , حيث أن إيران كانت تعتمد بصورة مباشرة على الحليف السوري لتقوية نفوذها داخل لبنان , ولهذا فقد حاولت ” طهران ” تعويض ذلك من خلال الدعم الأقوى ل ” حزب الله ” ماليا وإعلاميا وفنيا وعسكريا ضد العدوان الإسرائيلي عام 2006 , وأيضا قامت بالمشاركة في إعمار ما دمرته الحرب([168]) .
5- موقف إيران من حرب لبنان 2006 , (حرب تموز ) : حينما اندلعت الحرب على لبنان أعلنت إيران تأييدها المطلق ” لحزب الله ” , ولم يتأنى المسئولون الإيرانيون في المصارحة العلنية برفض نزع سلاح حزب الله ومشروع القرار الأمريكي الفرنسي لإيقاف الحرب [169], وقد قامت إيران بدعم ” حزب الله ” بما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا , كما زودته بما يقرب (1100: 1300 )صاروخ من طرز مختلفة ومتنوعة , كما انتقل بعض كوادر الحرس الثووري الإيراني من مهمام التدريب إلى القتال مع صفوف ” حزب الله ” في اثناء تلك الحرب , وقد قان رجال الحرس الإيرانيين بإطلاق الصواريخ التي أصابت المجمعات الإسرائيلية على السواحل اللبنانية , كما أن امتلاك إيران للسلاح النووي واعلانها بالوقوف في صف لبنان , كان بمثابة تهديد جيد للقوات الإسرائيلية في المنطقة([170]) .
حتى وبعد انتهاء حرب تموز لصالح حزب الله بفضل إيران وخسارة اسرائيل , قامت إيران أيضا بتقديم المساعدات غير المشروطة إلى لبنان في كافة المجالات لإعادة أعمارها إثر الحرب الإسرائيلية([171]) .
4- الفترة الحالية : لقد تطور النفوذ الإيراني في لبنان كثيرا في الفترة الحالية , ويرتبط هذا بحالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه الدول العربية وأيضا بسبب انتشار الجماعات الإرهابية بعد موجة الثورات التي حدثت , فقد وجدت طهران الفرصة سانحة جدا أمامها لاستغلال دورها في المنطقة, واستغلت في تحقيق هدفها ” حزب الله “ وأدواته الإعلامية والعسكرية والثقافية لدعم سياسة إيران , وعلى سبيل المثال قامت طهران في إدخال “حزب الله ” في الحرب السورية للحفاظ على نظام حليفها الأول ” بشار الأسد” وقد نجحت في ذلك , كما جعلت أيضا “حزب الله ” يقوم باستخدام أدواته الإعلامية للدفاع عن كل الطوائف الشيعية في العالم العربي , واللتى تتمثل في الحوثيين في اليمن و الشيعة في السعودية والكويت والبحرين ([172]) . ويعد العامل المهم أيضا لتقوية النفوذ الإيراني في لبنان هو التوصل للاتفاق النووي , الذي فتح طريقا أمام “طهران ” لتقوية نفوذها في الشرق الأوسط ([173]).
رابعاً:القوة الصلبة الإيرانية تجاه لبنان ( العسكرية والإقتصادية ):
البعد العسكري الإيراني تجاه لبنان ([174]):-
لقد سعت إيران إلى دعم أواصر علاقتها م ع لبنان على المستوى الرسمي والدولي , حيث في عام 2005 تم إبرام عقد للتفاهم والتعاون بين وزارة الدفاع الوطني في لبنان و وزارة الدفاع و إسناد القوات المسلحة في إيران , وقامت أيضا لزيادة دعم العلاقات العسكرية الرسمية في 2008 , طلب الرئيس اللبناني ( ميشال سليمان ) من إيران بدعمها و إمدادها بالأسلحة العسكرية التي تساعد في تسليح الجيش اللبناني , وقامت إيران بالموافقة و أبدت كامل رغبتها في ذلك, وكانت إيران هي أول من أعلنت استعدادها الجدي بتسليح الجيش اللبناني بأفضل المعدات دون أي شروط.
وبالرغم من تلك العروض الإيرانية السخية لدعم لبنان عسكريا وتسليح جيشها, إلا أن هذا الدعم يواجه العديد من الصعوبات([175]) , حيث أن لبنان دولة مهمة في ميزان استقرار دول الشرق الأوسط , ولذا تقوم الدول الكبرى بمحاولة تحييد لبنان وبعدها عن تزايد النفوذ الإيراني بها , خوفاً على مصالح الدول الغربية وإسرائيل , كما تحاول الولايات المتحدة أيضا بمنع النفوذ الإيراني داخل لبنان على مستوياته الرسمية , فقد قامت الولايات المتحدة بإصدار قرارات و عقوبات على لبنان إذا تم أي تعامل عسكري مباشر مع إيران , لذا تقف العقوبات الدولية حائلا أمام إيران في زيادة نفوذها العسكري في لبنان بشكل مباشر.
وهذا ما جعل صور التدخلات الإيرانية الغير مباشرة تشكل دورا فعالا في الساحة الداخلية اللبنانية , وبجانب الدعم الغير مباشر بالأسلحة ظهرت مؤشرات عديدة للتواجد العسكري الفعلي الإيراني في لبنان بواسطة عناصر عسكرية إيرانية ([176]).
البعد الاقتصادي الإيراني في السياسية الخارجية الإيرانية تجاه لبنان[177]
قامت إيران بتفضيل لبنان وزادت الزيارات الإيرانية الرسمية في لبنان , وقامت بالعديد من الاتفاقيات والبروتوكولات بين الدولتين , وقدمت إيران العديد من العروض والتسهيلات غير المشروطة في مجالات عدة لصالح لبنان مثل ( بناء الجسور والسدود ومحطات المياه والكهرباء والطاقة والكثير من العروض في المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والعسكرية والبيئية([178]).
فأصبحت التحركات والزيارات الرسمية الإيرانية جزءا طبيعيا من المشهد السياسي داخل لبنان ومؤكدا على دعم النفوذ الإيراني , كما أصبحت التحركات الاقتصادية داعمة لتلك الدبلوماسية السياسية بين الدولتين, لقد برز البعد الاقتصادي في السياسة الخارجية الإيرانية في لبنان منذ عام 2005 , كأحد أقوى التحركات الإيرانية الصلبة تجاه لبنان , ولقد جاءت ظروف لبنان الداخلية مواتية للتدخلات الاقتصادية الإيرانية , هذا وبالإخص عقب حرب لبنان عام 2006 , حيث نتج عن تلك الحرب العديد من الخسائر الشديدة في كل المنشئات والمصالح والمصانع والوحدات السكنية أيضا , لذا قامت إيران بدعم الأداة الاقتصادية تجاه لبنان وقدمت العديد من المساعدات الغير مشروطة كما ذكرناها سابقا , وأيضا دعم علاقتها اقتصاديا مع لبنان على مستوى التجارة الثنائية والاستثمارات وقامت بإبرام العديد من الاتفاقات .([179])
نهايةً نقول تميزت العلاقة الايرانية اللبنانية بطبيعة خاصة توجتها التوجهات الدينية والقيم المذهبية وموقع لبنان الاستراتيجي بالنسبة لايران ورغبت ايران في بسط نفوذها علي دول المنطقة ومن ثم لبنان ونظام حكمها غير المتجانس وفترات الحروب الاهلية ووجود عددا لاباس به من الشيعة فكانت ارضية خصبة لسياسة ايران الخارجيه واهدافها الاقليمية , ومما سبق ذكره يشير إلى أن إيران لن تغير من سياستها تجاه لبنان والدول العربية , ولن تتنازل عن تحقيق أغراضها في تغيير الأوضاع الجيوسياسية والإستراتيجية في كافة المنطقة العربية لصالحها من جميع النواحي سواء الآيدوليجية أو النفوذ التعبوي والأمني . لذلك فقد أصبح ” حزب الله “ الإيراني الرقم الأعلى في المعادلة اللبنانية لدرجة أنه قام وزير خارجية لبنان ( جبران باسيل ) بالامتناع عن التصويت على قرارات الاجتماع العربي ضد التدخل الإيراني في الشؤون العربية في عام 2016 ([180]).
المبحث الثاني
تحليل السياسية الخارجية الإيرانية تجاه لبنان منذ 2005
مثلت الثورة الإيرانية أول ثورة إسلامية ناجحة فى العصر الحديث. وهي الحدث الذي كان له أكبر الأثر على سياستها الخارجية بسبب التغيير الحادث في داخل إيران وفى رؤيتها للعالم الخارجى ولتغير خريطة الحلفاء والخصوم في البيئة الدولية والإقليمية. ومنذ هذه اللحظة التاريخية عانى صانع القرار الإيراني من الحيرة والتخبط بين ما تمليه المصلحة القومية ومتطلبات الأهداف الأيدولوجية التي غيرت من مصادر التهديد للدولة الإيرانية والفرص السانحة أمام النظام الإيراني.([181])
في مرحلة ما بعد الخمينى وما بعد الحرب العراقية الإيرانية، عملت السياسة الخارجية الإيرانية على المساعدة في تحقيق الأهداف الاقتصادية في محاولة لتنمية التجارة والاستثمار الأجنبي الذى تحتاجه إيران بشدة لإعادة بناء ما دمرته الحرب. فكان شعار رافسنجاني الرئيسي البناء، وأصبح الانفتاح على الخارج غاية هامة لجذب استثمارات أجنبية توقف تدهور الوضع الاقتصادي وتحافظ على بقاء النظام نفسه. استمرت أهمية البعد الاقتصادي في ظل خاتمي فتم التركيز على نقل التكنولوجيا وتطوير التجارة ولكن تحت مفهوم أشمل للتنمية يحوي ليس فقط الأبعاد السياسية بل الثقافية أيضا والتي استخدمتها إدارة خاتمي بكفاءة من أجل الحفاظ على جسور الحوار ممدودة مع الدول التي يتعثر تطوير العلاقة معها بالشكل الذي تطمح إليه إيران([182]) .
بينما شهدت المحاولات الإصلاحية على مستوى السياسة الخارجية مع صعود أحمدي نجاد عام 2005م إلى السلطة، تدهورا في العلاقات الخارجية بين إيران والغرب تارة، وبين جيرانها العرب تارة اخري وذلك لانتهاج نجاد خطاباً معادياً للغرب وايمانة بمبدأ تصدير الثورة نظراً لميولة المحافظة واستمر التدهور طوال سنوات رئاسة أحمدي نجاد([183])، إلا أن السياسة الخارجية ما لبثت أن عادت وأخذت منحى جديداً مع صعود حسن روحاني إلى السلطة وتوجهه الإصلاحي، ولعل أحد أهم إنجازاته تسوية الملف النووي الإيراني، وإتمام الاتفاق النووي بين بلاده وأميركا والدول الغربية، ولعل فوز تحالفه (فوز الإصلاحيين) في الانتخابات، أخيراً، يعزّز من مكانته، هو وفريقه، ويشجعه أكثر على الاستمرار في العلمية الإصلاحية. الظروف الآن شبيهة بما كانت عليه الأوضاع في حقبٍ سابقة، حيث إيران متورطة في معارك داخل دول عربية، سورية واليمن والداخل اللبناني والبحرين، إلا أنها أصبحت أكثر توافقاً مع القوى الغربية، وأصبح هناك انفتاح اقتصادي بينها وبين الدول الغربية، ستجني ثماره ، عاجلاً أم آجلاً ([184]) وعلية يطرح الخبراء والمحللون العديدُ من المحددات سواء الداخلية او الخارجية التي تفسر وتحلل ادوار السياسة الخارجية لاية دولة وتحدد مدي قواتها في التعامل مع القضايا التي تدخل في نطاق السياسة الخارجية للدولة .
ومن ناحية اخري شهدت الساحه العربية ومنطقة الشرق الاوسط في الفترة الاخيره جملةً من التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والامنية والتي سمحت للسياسية الخارجية الايرانية ان تلعب دوراً هاماً في التعامل مع قضايا المنطقة.
وكان جدير بالذكر تناول الفاعلون الرئيسيون في عملية صنع السياسة الخارجية إلا أن تم دراستها وهضمها في الفصل الاول من هذه الدراسة ولذلك سنتطرق لدراسة بعد اخر الا وهو المحدادات والاليات الناعمه للسياسيه الخارجيه الايرانية تجاه لبنان:
أولاً: محددات سياسة إيران الخارجية :
وتعني السياسة الخارجية “تلك السياسة التي يصوغها الممثلون الرسميون للدولة من بين مجموعة من البدائل والاختيارات المتاحة من أجل تحقيق الأهداف القومية في المحيط الإقليمي والدولي[185] .
وعلية فان السياسه الخارجيه الايرانية لها اهداف ومصالح تسعي لتحقيقها وفق استراتيجية محددة وفي هذا الاطار سنسعي لتوضيح محدادات السياسه الخارجية الايرانية.
ومن ناحية اخري تعني محددات السياسة الخارجية وفقا لتعريف ” محمد السيد سليم ” : مجموعات المتغيرات التفسيرية المستقلة التي تتفاعل مع بعضها البعض وتؤدي الي تحديد السياسة الخارجية للدولة[186] .
وعليه فإن السياسية الخارجية الايرانية لها اهداف ومصالح تسعى لتحقيقها وفق استراتيجية محددة , حيث تتأثر سياسة إيران الخارجية بمجموعه من الأبعاد التى تؤثر سلبا وإيجابا على السياسة الخارجية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , و التي على أساسها تحدد الدولة هدفها واستراتيجيتها, ومنهنا يتم توضيح محددات السياسة الخارجية كالأتي : (البعد الجغرافي – البعد السياسى- البعد الديني – البعد الاقتصادي )
1-البعد الجغرافي :-[187]
يعد البعد الجغرافي من أهم المحددات اللازمة لفهم طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول الخليج العربي , حيت توجد لإيران خاصية مميزة من حيث الموقع الجغرافى الممتد مع حدود مشتركة بينها وبين الاتحاد السوفيتي سابقا واطلالا على الخليج وبحر عمان , بالإضافة إلى سيطرتها على الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج , والتي تشرف على جميع السواحل المقابلة لدول الخليج العربية .
2- البعد السياسي :-
حيث أدى قيام الثورة الإيرانية عام 1979 إلى إزالة نظام ” الشاه ” على يد ” الخميني ” الذي أقام دعائم الجمهورية الإسلامية , فأثرت تلك الثورة على داخل إيران والشرق الأوسط , فنتج عن هذا النظام المزيج من الأصالة والحداثة بين الفكر الإسلامي والديموقراطية الغربية , وسعية المجدي للتاثير علي دول الجوار وتصدير الثورة ومن ثم يكون لايران الزعامه .[188]
3- البعد الأيدولوجي ( الديني ) :-
يعد العامل الأيديولوجي من أبرز أدوات القوة الناعمة في السياسة الإيرانية، وقد المزج بين الأدوات الدينية والأدوات الديمقراطية الغربية ، فقد أصبح للدين دور بارز فى توجيه السياسة الخارجية , فضلا عن دورها فى البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الايراني , ويرى ” الخميني ” أن أفضل حكومة هى الحكومة الاسلامية , حيث يرجع هذا التفضيل إلى ثلاث اعتبارات أساسية ذكرها في كتابه , وأول هذه الاعتبارات يتعلق ( بتطبيق احكام الاسلام في كل الأمور منذ عام 256ه ) أما الاعتباران الثاني والثالث يتعلق ( بتوحيد المسلمين ) و( تحريرهم من الاستعمار ) و من هنا يقول ” الخميني ” : ( نحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية وتحرير أراضيها من يد المستعمرين واسقاط الحكومات العميلة لهم إلا أن نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية )[189] .
كما ان ” المرشد ” أو ” الفقيه ” يعد أهم شخص في صناعة القرار في الدولة , وكذلك بروز أهمية دور رجال الدين في الحكم السياسي في ايران[190] .
4-البرجماتية :-
في هذا المحدد تكون ” المصلحة ” هي حجر الزاوية في تفاعله مع الأحداث والمتغيرات , فعلى الرغم من كل ما يتبناه الخطاب الإيراني من قيم ومبادئ عن طريق رفع الشعارات في هذا الصدد تبقى المصلحة هي حجر الزاوية في تعاملاته مع التطورات الدولية , كما أنها العامل الرئيسي في صنع السياسة الخارجية الإيرانية [191]، وحين تتعارض القيم التي يرفعها الخطاب السياسي الإيراني مع مصلحة الدولة يتم تأويل ذلك إلى المبررات الكفيلة بتحقيق المصلحة وشرعيتها ، كما تلجأ إلى الحيلولة أيضا دون أن تصطدم بالمرتكزات الأخرى , وعند النظر للسياسة الإيرانية نجد فيها برجماتية عالية في إدارتها لعلاقاتها الخارجية ، فهي لا تستند على أسس ثابتة بل تتعامل بمرونة تمكنها من تطويع أهدافها , فإيران دولة تهتم بمكانتها ولا يمكن أن تحصر نفسها في حدودها، حيث لها تطلعات ريادية وتعمل جاهدة على تحقيقها وفقاً لإمكاناتها والتأثيرات الداخلية والخارجية , وإدارة إيران لعلاقاتها الخارجية أكبر دليل على هذه البرجماتية[192] , فهي تبني علاقاتها أساساً على “المصلحة” لا “الأيديولوجية” ، والدلائل على ذلك كثيرة في الماضي وفي الحاضر أيضا , و سنشير هنا إلى جملة من الشواهد على سبيل المثال في الحاضر: ( فالتحالف الاستراتيجي الذي جمع بين طهران ودمشق، رغم أن رأس النظام السوري يتمذهب بالمذهب ” الشيعي العلوي ” البعيد كل البعد عن المذهب ” الاثني عشري ” لإيران [193]، وهو يتبع أيضاً حزب البعث الذي يعد أيديولوجياً على طرف النقيض مع الأيديولوجية الإيرانية ، هو دلالة على أن الذي يجمعهما المصالح المشتركة التي تجاوزت في الأحيان كافة الخلافات التي ظهرت . وأيضا علاقتها مع حركة حماس تأتي لهذا السبب ، حيث توطدت العلاقة بين طهران وغزة بشكل خاص بعد انفراد حماس في إدارة القطاع على أثر الاقتتال الداخلي مع حركة فتح ، ولولا الدعم الإيراني لتعثرت في النهوض بمسؤولياتها وخاصة في بداية سيطرتها[194].
إذاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد استندت ولا تزال على الأيديولوجية الثورية ، إلا أنها وعبر مراحلها المختلفة ظلت تطوع هذه الأيديولوجية بما يخدم برجماتيتها في تعظيم مصالحها.
5-البعد الاقتصادي :-
لقد احدثت الحرب العالمية الثانية تداعيات على مجمل الأحداث , سواء على المستوى الدولي و المستوى الاقليمي , فكان من نتائجها اضمحلال النفوذ البريطاني في منطقة الخليج , مما أدى إلى أهمية النفط فى النشاط الاقتصادى الإيراني وأصبح دعامة أساسية في التنمية , كما أشار الدستور إلى منع السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الإيراني والعودة إلى العمل على الاكتفاء الذاتي فى جميع المجالات وعدم توظيف الأجانب إلا فى حالات الضرورة وموافقة مجلس الشورى [195].
كما أن الاقتصاد الإيراني هو أحد أكبر الاقتصاديات الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط , كما تحتل المركز الثاني بين اقتصاديات دول منطقة الشرق الاوسط بعد الاقتصاد السعودي , وعلى الرغم من تفوق ايران على دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة من حيث عدد السكان , ألا أن حجم اقتصاد الدول الخليجية مجتمعة يفوق الاقتصاد الإيراني بنحو أربعة اضعاف حجم الاقتصاد الإيراني , كما أن نصيب الفرد الخليجي يعادل ثمانية اضعاف نصيب الفرد الإيراني[196]
ثانياً/ الأليات الناعمة للسياسة الخارجية الايرانية تجاه لبنان:
تعد لبنان امتدادا ثقافيا وجغرافيا وسياسيا لايران , حيث ان المذهب الشيعي الاثني عشرية ينشر في لبنان وخاصة في المناطق الجنوبية منها , وتحتل لبنان مكانه استثنائية في الاستراتيجية الايرانية ولدي الشعب الايراني وفقا ماصرح به وزير الثقافه والارشاد الايراني محمد حسيني([197])
ومع بداية عام 2005م ووصول التيار المحافظ للحكم بقيادة احمدي نجاد وايمانه بالمبادئ الثورية ومبدا تصدير الثورة ولتحقيق ذلك ازدادت التحركات الناعمه الايرانية التي منها الاعلامية والثقافية والسياسية , علاوة علي نجاح جناح المقاومة الشيعي حزب الله في لبنان في تحرير الاراضي اللبنانية عام 2000 ثم في حرب 2006م , كل ذلك مهد لايران ان تتدخل في الشان اللبناني[198].
وفي هذا الاطار وجب علينا اظهار الاليات الناعمة :
النشاط الثقافي الايراني داخل لبنان :
مهد التوافق المذهبي ازدياد النشاط الثقافي الايراني داخل لبنان ولكن ايران لم تتوقف علي جذب الطائفه الشعية فقط بل صارت تفتح علاقات طيبه مع كامل الطوائف وهذا يفسر نجاح اليات الناعمة في جذب وضم الشرائح اللبنانية وانبهارها بالمشروع الايراني, وتكمن مظاهر النشاط الثقافي في :
-وجود المركز الثقافي الايراني داخل لبنان وهو يقيم العديد من الانشطه الثقافية وفاعل نشط علي الساحه الثقافية اللبنانية واقامة ندوات للمعرفة بتاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية([199]) .
-انشاء عدد من المكتبات في لبنان والتي تضم دوريات وكتب علمية عربية وفارسيه كنوع من التفاعل الثقافي , وكذلك المكتبه العامة للمستشارية الثقافية الايرانية في بيروت[200] , والتركيز علي نشر الحضارة الايرانية واللغه الفارسية والبعثات التعلمية ولحزب الله دورا كبيرا في نشر الثقافه الايرانية والتشييع في لبنان [201].
-وتنشط عدد من المؤسسات الإيرانية الثقافية داخل لبنان مثل جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية، والتي لها فروع في بيروت وضواحيها وفي الجنوب والبقاع , ويصل عددها إلى 15 فرعاً داخل الدولة اللبنانية. كما أنشأت إيران عددًا من المؤسسات التعليمية التي تلعب دوراً في العملية التعليمية داخل لبنان منها جامعة أزاد الإسلامية، ومعهد الرسول الأكرم والسيدة الزهراء، والمدرسة الإيرانية للبنات والمدرسة الإيرانية للبنين، والمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم. وعدد آخر من المراكز البحثية والثقافية التي يُشرف عليها حزب اللـه اللبناني، ومنها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، ومركز الإمام الخميني الثقافي، وجمعية “قيم” وجمعية أمان[202] , وكذلك البعثات التعليمية لطلاب لبنان داخل الجامعات الايرانية .
نهايةٍ يكرس الحراك الايراني المدعوم من حزب الله لنشر اللغة الفارسية وثقافتها في لبنان للمزيد من إحكام القبضة الإيرانية على لبنان عامة, والطائفة الشيعية خاصة من خلال البوابة الثقافية التي تعتبر رابطاً قوياً , يساهم في بناء علاقات مشتركة وثيقة تزاوج بين الهيمنة والتبعية .
الأداة الإعلامية:
تمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسيا-الهادئ والعالم. وتسيطر وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية[203](IRIB -وهي مؤسسة حكومية يشرف عليها شخصيًا المرشد الأعلى علي خامنئي- على السياسات الإعلامية الخاصة بجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في البلاد بما يتناسب مع توجهات الدولة.
وترتبط الوكالة بعدد من الوزارات بالثقافة والخارجية ويتم استخدامها لخدمة الرسائل التي تصدر عنهم فيما يتعلق بالترويج للثورة الإسلامية والثقافة الإيرانية والدبلوماسية العامة. وتشير المادة 175 من الدستور بوضوح إلى أن حرية التعبير ونشر الأفكار يجب أن تتم عبر (IRIB) وبما يتناسب مع القوانين الإسلامية والمصالح القومية للبلاد[204].
أما الخدمة الدولية لـ(IRIB)، فهي تهدف إلى إعلام الجمهور الخارجي، والترويج للتاريخ الإيراني والحضارة الإيرانية والثقافة الإيرانية لكل من هو مهتم بالحصول على نظرة واقعية عن إيران وغناها الحضاري عبر آلاف السنين”. وتقوم هذه الوكالة بنشر وترويج قيم النظام الإيراني والموقف الرسمي للحكومة الإيرانية بخصوص التطورات الداخلية والدولية[205].
وبالنسبة للداخل اللبناني يوجد قناة العالم الاخبارية – قناة برس تي في- وكالة الانباء الايرانية – قناة الكوثر – قناة المنار – قناة اي فيلم – وقنوات تابعة لحركة امل , وكذلك يوجد عدد من الصحف مثل : صحيفة بيت الله التابعة لجمعية المعارف الاسلامية , صحيفة الحياة التابعة لمعهد الرسول الاكرم[206].
وبناء علية تستهدف الطاقة الاعلامية شعوب المنطقة وتعمل علي نشر حضارة الجمهورية الايرانية الاسلامية ونشر الثقافة والمذهب الشيعي.
الأداة الدينية :
تعمل إيران على نشر فهمها للنموذج الشيعي المتمثل بولاية الفقيه (تشيع قومي فارسي) حول العالم، وتخرج الأئمة الموالين لها والذين يعملون كسفراء لقوتها الناعمة ينشرون رسائل إيران الدينية والثورية والإعلامية والثقافية والسياسية, كذلك توحيد الأقليات الشيعية أينما وُجدت تحت رايتها، وتستخدم أيضًا المصطلحات التي تساعد على توسيع نفوذها في هذا الإطار لنشر التشيع في بيئات أخرى كالوحدة الإسلامية، والتضامن الإسلامي، ومساعدة حركات التحرر ودعم حزب الله اللبناني واظهاره علي انه حركة مقاومة ضد اي اعتداء خارجي واعلان مبادئ التسامح والحوار بما ينعكس مكسبًا سياسيًا[207], ولما في لبنان من وجود شيعي كبير مهد الطريق للامتداد الثقافي والتغول السياسي للدولة الايرانية في الشان اللبناني .
– الأدوات السياسية :
تنتهج ايران خطاباً سياسياً يحمل في طياته معادة للولايات المتحده الأمريكية ودعم حركات المقاومه في المنطقه كحزب الله جراء الاحتلال الاسرئيلي للبنان وتزامن ذلك مع تراجع الدور العربي في المنطقة, وكذلك اعلان المسانده والدعم الكامل للقضيه الفلسطينية كل هذة العوامل تلعب دوراً ناعما في جعل ارضية خصبة للنظام السياسي الايراني في دول المنطقة والنظر اليه كأنه المخلص من ويلات الحروب[208] .
ومن ناحية اخري فان النفوذ الايراني داخل الاراضي اللبنانية زاد مع وصول التيار المحافظ للحكم عام 2005م , حيث لعبت دورا واضحا في دعم التيار الشيعي المتمثل في حزب الله اللبناني ومع انطلاق حرب 2006 اصبحت ايران فاعلا كبيرا في مجريات الامور السياسه للداخل اللبناني ولعل ابرز مايوكد ذلك الدعم الايراني الكامل للمقاومه في حربها مع اسرائيل , ورفض وجود قوات دولية في الجنون اللبناني , وكذلك مطالبة احمدي نجاد بدعم لبنان دوليا واقليميا , والدعوه لقمة اسلامية طارئة , واعلان الامام الخامئميني 2006 ان لبنان اسلامية ويجب الوقوف بصفها ضد الهدوان الخاشم[209].
خلاصة ماسبقأن الأليات الإيرانية الناعمة داخل لبنان تنوعت بين الادوات الثقافية والاعلامية والدينية والسياسية علاوة علي ان القاسم الثقافي المشترك والمذهب الشيعي قد مهد لايران استخدام تلك الادوات وبالرغم من أن الأولية الكبري للطائفة الشيعية الا انها لم تقتصر عليها فقد تعاملت مع باقي الطوائف لايجاد قاعدة شعبية عريقة مستخدمه في ذلك الادوات السالف ذكرها.
لم يقتصر النفوذ الايراني داخل الاراضي اللبنانية علي القوة الناعمة فقط بل صاحب ذلك شئ من القوة الصلبة المتجسد في دعم حزب الله عسكريا واقتصاديا ولعل مايوكد ذلك حرب 2006.
ثالثاً:- وضع لبنان بعد تدخل إيران حتى الآن .[210])
يتضح جيدا أن العلاقات بين إيران ولبنان وصلت إلى أعلى مستوى في العلاقات بين وحدتين دوليتين, ويطلق عليها وفقا لقواميس العلوم السياسية أنها ” علاقات خاصة وفق منهج مذهبي ” كما وصلت الوحدتان إلى اعلى درجة من التنسيق في كافة القضايا الداخلية والخارجية , وأصبح لكلا الطرفين حق التحدث باسم الطرف الآخر فيما يخص تلك القضايا وتوجيه السياسات وعقد التحالفات, فأصبحت إيران تتحدث باسم “حزب الله ” وتدعمه في الشؤون الدولية والإقليمية , ولقد أسفر عن ذلك وضع لبنان الذي أصبح متفرق سياسيا مخترق إيرانيا متصارع طائفيا ([211]).
ونوضح فيما يلي الأزمات اللبنانية المترتبة على ذلك الوضع الإيراني في لبنان :
1-الإنقسام (التشرذم) السياسي : بالرغم من أنه تم حل الأزمة الرئاسية في لبنان وتم انتخاب (ميشال عون ) رئيسا للبنان في 31 /10 /2016 , ولكنها ظلت تعاني من انقسام سياسي بسبب سيطرة ” حزب الله ” على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية وذلك بدعم إيران , فأصبح “حزب الله ” مسيطرا على الثقافة الدينية والمسؤل الأول في الطائفة الشيعية , وهذا بجانب موقعه المتميز عسكريا في المقاومة[212] , مما جعل النفوذ الإيراني ينتشر ويقوى في لبنان وخاصة في المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع والضواحي الجنوبية في بيروت , وتم الاستفادة من كل ذلك بسبب ضعف الدولة اللبنانية مما حول الجنوب إلى ساحة حرب دفع ثمنها الوطن اللبنانى كله كما في حرب لبنان 2006 , والتي يحتمل شنها مرة أخرى في ظل تحالف الرئيس الجديد ” ميشال عون ” مع ” حزب الله ” ولم يأخذ القرار النهائي في الأمور السياسية الخاصة وقررارت الدولة الخارجية , ويرجع الانقسام السياسي أيضا إلى المشكلات المتعددة التي لم تحل بعد وهي ( توجه الجماعات السياسية إلى وضع قانون جديد للانتخابات , ومشكلة استقلالية الجيش , ومشكلة اللاجئين السوريين , ونزع سلاح الجماعات المسلحة )[213] . وقد أصبحت أيضا أسلحة الحركة المقاومة ” حزب الله ” أداة ابتزاز تستخدمها في وجه الدولة المفترض أن لها جيشا هو الوحيد الذي له الحق قانونيا بالاحتفاظ بالأسلحة الثقيلة , فولاء ” حزب الله ” لإيران يفوق ولائه لدولته لبنان . وقد تسبب هذا التشرذم السياسي وعدم الاستقرار الأمني إلى عجز الدولة اللبنانية عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ (25 /5 / 2015) . وذلك لعدم اكتمال العدد القانوني والذي يتطلب ثلثي الأعضاء والبالغ عددهم 120 عضو , حيث كان يجب أن تعقد جلسة في البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية , وكان مجلس النواب تتنازعه قوتان أساسيتان وهما ( قوى 14 آذار المناهضة لحزب الله , وقوى 8 آذار المدعومة من طهران ودمشق ) [214], ومازالت أزمة اختيار الرئيس غير محسومة بسبب مقاطعة النواب من ” حزب الله ” من حضور جلسة انتخاب الرئيس . كما أن لبنان تواجه مشكلة أمنية أيضا وهى تورط ” حزب الله ” في حرب سوريا , والتي تسببت في أزمة الميليشيات الإرهابية ( كداعش و النصرة ) ضد لبنان .([215])
2-ضعف العلاقات الخليجية اللبنانية : في الآونة الأخيرة توترت العلاقات اللبنانية الخليجية نتيجة لنمط التصويت اللبناني على قرارات الجامعة العربية , حيث امتنعت لبنان عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب , وأيضا تحفظت لبنان على قرار وزراء الخارجية العرب في مارس 2016 , والذي اعتبر “حزب الله ” منظمة أرهابية[216] , وكان سبب توتر العلاقات أيضا الاعتداء على السفاره السعودية في إيران , حيث نتج عن امتناع لبنان عن التصويت على قرارات وزراء الخارجية العرب نهوض الأفعال العدائية والاستفزازية الإيرانية في المنطقة داخل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي , فأوقفت المملكة العربية السعودية مساعداتها للجيش اللبناني و وطالبت مواطنيها بعدم السفر إلى بيروت , واتبعها في ذلك وسار على نهجها عدد من دول الخليج مثل الكويت وقطر والبحخرين والإمارات , حيث قاموا بحث مواطنيهم بمنع السفر إلى لبنان , وحث الموجودين بها بسرعة المغادرة , كما قامت الإمارات والبحرين بتخفيض التمثيل الدبلوماسي الخاص بهما في لبنان([217]) .
3- توسع وانتشار تنظيم داعش : لقد أصبحت لبنان ملاذا آمنا لتنظيم ” داعش ” , حالها كحال غيرها من الدول العربية التي أصيبت بالأذى الإيراني , وأصبح هذا التنظيم مسيطرا على المناطق القريبة من الحدود اللبنانية السورية , ولقد تم في هذه المنطقة بالتحديد (عرسال و بريتال ) الكثير من المعارك الدامية بين ” داعش ” و “الجيش اللبناني ” و ” حزب الله “([218]). ومازال تنظيم داعش يقوم باختطاف الجنود اللبنانين , وينفذ العمليات الإرهابية بلبنان , كما حدث في اللآونة الأخيرة حيث العملية التي شهدتها قرية ( القاع ) في يونيو 2016 م , واعتبر الكثير من اللبنانيين أن ” حزب الله ” كان له الدور الأكبر في أضرار التنظيم الداعشي وامتلاكه السلاح والقتال في سوريا , مما أدى إلى الكثير من التفجيرات في لبنان وأيضا عمليات الأختطاف والاغتيالات , ولقد أدى ذلك إلى تورط لبنان في المعارك مع الجهات المتطرفة ([219]).
4-سيادة البعد الطائفي :[220] بالإضافة إلى مشكلة التعدد الطائفي في لبنان , حيث أن به العديد من الطوائف ( السنية والشيعية والمسيحية والدرزية ) , توجد أيضا المشكلة الكبرى وهي ” تسييس” مكونات الدولة وجسدها السياسي , فتقوم إيران بتلك العملية بجدارة ليس فقط في لبنان ولكن أيضا تقوم بالممارسة في العراق واليمن وسوريا , فهي تدعم وتنشر ” التشيع ” وتقوم بإنشاء المؤسسات ذات البعد الطائفي , ذاك الذي يسبب الحروب الأهلية وإنهاك قوى الدولة لصالح فصيل طائفي معين يسعى لإحكام سيطرته سياسيا واقتصاديا في البلاد ,وتنفيذ أجندة من يدعمه , هذا ما يفعله ” حزب الله ” في لبنان لصالح إيران ([221]).
ليس فقط في لبنان، بل تتمرس في العراق وسوريا واليمن، وراحت تدعم وتنشر التشيع وتقيم المؤسَّسات ذات البعد الطائفي، هذا الأمر ينتج عنه ما يُسَمَّى “الاقتتال الطائفي”، والدخول في أتون حروب أهلية على غرار الحروب اللبنانية الأهلية عام 1999، والتشرذم المجتمعي، وإنهاك قوى الدولة لصالح فصيل طائفي يسعى لإحكام سيطرته على المعادلة السياسيَّة والاقتصادية بالبلاد لتنفيذ أجندة مَن يدعمه، وهو ما يفعله حزب الله في لبنان([222]).
5-حدوث فوضى أمنية شديدة : من المعروف أن قضية انتشار السلاح من أخطر القضايا التى يمكن أن تواجه أي دولة وتلحق بها أشد المخاطر وتسبب لها حالة من الإضطرابات والفوضى وتزعزع الأمن , وهذا ما حدث ولا يزال يحدث في لبنان بالرغم من وجود جيش وحكومة , ولكن يمتنع ” حزب الله ” عن تسليم أسلحته للدولة المسئولة عن إدارة شؤون البلاد والدفاع عنها , والأدهى من ذلك أنه تم استخدام السلاح في الداخل حيث قام ” حزب الله ” بتحويل بوصلة استخدام الأسلحة ووجهها إلى داخل الدولة , بعد أن كان دوره قاصرا على محاربة إسرائيل فقط . وقد ظهر ذلك في أحداث (7 آيار 2008) في بيروت , وبعض مناطق جبل لبنان , التي أصبحت أكثر خطورة منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام 1990([223]) .
الخاتمة :
مما سبق نستطيع أن نقول أن الدولة اللبنانية مركب من عدة طوائف إسلامية ومسيحية، ويقوم النظام برمته على فكرة التقاسم الطائفي للسلطة والثروة والنفوذ، وفي العادة -وخاصة بعد اتفاق الطائف- توزع العلاقات الخارجية اللبنانية وفقا للتقسيم المذهبي في لبنان، العلاقة المميزة التي تربط شيعة لبنان بشيعة إيران، ولسبب آخر لا يقل أهمية عن ما سبق أن حزب الله اللبناني الذي يؤمن بولاية الفقيه والأكثر ارتباطا بالثورة الإسلامية في إيران، يحظى بشعبية كبيرة في صفوف الشيعة اللبنانيين، الأمر الذي يجعل من الصعب أن تقاس العلاقات بين البلدين ببعدها الدبلوماسي فقط، بعيدا عن الامتداد الطائفي والأيديولوجي الذي يجمع بين فئة لبنانية كبيرة بإيران.[224]
العلاقات الإيرانية اللبنانية نشأت برعاية سوريا ولكن مع بداية التسعينيات وبعد اتفاق الطائف تعززت العلاقة اللبنانية الإيرانية وشهدت في فترات محدودة بعض التقلبات السلبية وخاصة عام 1988، وذلك تبعا للتقلبات التي كانت تطرأ على العلاقات السورية اللبنانية، حيث نشأ صراع حينها بين سوريا وإيران على النفوذ، وأصبح الدور الإيراني في لبنان مستهدفا حتى من بعض أبناء الطائفة الشيعية نفسها، فقد نشبت ما سميت بحرب الأشقاء الشيعة، بين حركة أمل المؤيدة من سوريا وحزب الله المؤيد من إيران.
علاوة علي ان العامل الديني له اهمية كبيرة في سياسة ايران الخارجية حيث تعمل ايران علي نشر الكتب التي تدعو للتشيع علانية وإنشاء مكتبات ودور نشر متخصصة لهذا الغرض والمشاركة الدائمة للمكتبات الشيعية في معارض الكتاب الدولي المقامة في دول المنطقة ونشر أفكارهم وكتبهم بين هذه الشعوب وتوزيع عدد كبير من هذه الكتب مجانا كنشاط مرافق لهذه المعارض، والعمل على طرح منتجات بأسماء إسلاميةكما تعمل علي إنشاء مراكز إسلامية ثقافية شيعية تحت مسميات مختلفة ومن ثم إصدار المنشورات والصحف والبيانات منها, وتتبنى العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية المجتمعية.
ومن ناحية اخري استمرار التدخل الايراني في الشأن اللبناني الداخلي كفيل ان يجعل الدولة اللبنانة في حالة عدم استقرار وتشرذم سياسي , كما ان استمرار تسلح حزب الله اللبناني وتطور قوته وكونه قوة موازيه للجيش اللبناني يمهد بحدوث صراعات داخلية تعرقل مسيرة الاستقرار والنمو داخل لبنان .
يجب ان تكون القيادة السياسية اللبنانية حاضنة لكافة التيارات والمذاهب داخل لبنان, وكذلك تتسم بالمرونه السياسية في علاقتها الخارجية وان لا تخسر دول الخليج العربي نظير الدعم الايراني.
الفصل الرابع
“الإدارة الأمريكية الجديدة حيال المد الإيراني في العراق وسوريا”
*مقدمة السيناريو:
يستخدم ترامب سياسة “العزلة البناءة ” ومبدأ “أمريكا أولا” والذي يمهد لتحول كبير في السياسة الخارجية حتى تكون فاعل رئيسي في النظام الدولي وعدم الانغماس في الصراعات الإقليمية وأيضاً في منطقة الشرق الأوسط خاصةً في العراق وسوريا،وأيضاً يقوم ترامب باستخدام مفهوم الصفقة في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية حتى تحقق منافع اقتصادية بمقدار حجم انخراط أمريكا للقضايا في العراق وسوريا ؛ولكي يحقّق ترامب نتائج سياسية ؛يقوم باستخدام الواقعية في إعلاء المصالح ،والميل نحو الاستقرار والتخلي عن المثالية مع أنظمة الدول الحاكمة وخاصةً في العراقوسوريا.
ويرى ترامب بأن استخدام الآليات الصلبة كالتدخل العسكري وما بين الآليات الناعمة كالدبلوماسية مع دول الشرق الأوسط يعمل على تحقيق المصالح الأمريكية ،يتوقع بأن يكون هناك منافسة بين القوى العظمى بدلاً من التعاون؛ إلا أن هناك استثناءين وهما :الاتفاق النووي مع إيران واتفاقية باريس للمناخ؛واللذان يعطيان الأمل بأن هناك إمكانية لاستجابة رسمية ومتعددة الأطراف من أجل التعامل مع التحديات العالمية،ويرى ترامب بأن احتواء التطرف الإسلامي هو أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكذلك دول الشرق الأوسط، وبالنسبة لترامب؛ عمل على إحداث تغيير كبير مقارنةً بسياسة إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما ؛خاصةً تصريحاته بإلغاء صفقة البرنامج النووي الإيراني ،وطرحه لمفهوم خصخصة الأمن بالنسبة للدول الحليفة في المنطقة ،وعلاقاته مع إسرائيل وجعلها أكثر تحالفاً وتقاربه مع مصر حول إدارة الشرق الأوسط وتداعيات المد الايراني فيها؛ لذلك هناك محددات داخلية وخارجية لسياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط والتي تؤثر بشكل كبير في توجهات تلك السياسة وحدود التغير فيها .[225]
بالنسبة للعراق:
ينوي ترامب مكافحة النفوذ الإيراني في العراق ؛حيث قال “بأن إيران تستحوذ على المزيد من العراق بعد أن أهدرت الولايات المتحدة 3 تريليونات دولار ،وهذا واضح منذ فترة طويلة”، ويتوقع ترامب بأنَّ إيران تحكم سيطرتها على العراق منذ أن أسقطت القوات الأمريكية النظام العراقي السابق؛ لذلك إيران لن تكون مرنة أو مستعدة للتساهل بشأن قضية العراق والتي تعتبرها قضية أمنٍ قومي بالنسبة لها؛لوجود حساسية مفرطة لدى إيران حول نفوذها في العراق.
وبالرغم من النفوذ الإيراني المسيطر في العراق وتمكين أتباعها من كل مفاصل الدولة العراقية مما يتوقع من إيران من أنها لن تفكر في المساومة على ما حققته من إنجاز،وأن العراق في حالة تنظيفه من النفوذ الإيراني بالإضافة لدول الخليج ؛سوف يقدمان أفضل الفوائد الاقتصادية للولايات المتحدة مقارنة بالفوائد التي يمكن تحصيلها من إيران ،وسوف تتضرر إيران من تجدّد الأزمة مما تفشل جهود (روحاني) لجذب مستثمرين أجانب إلى إيران.
ومن جانب آخر؛ يعتبر ترامب تسليمه للعراق لقمة سائغة لإيران له اعتبارات معنوية قوية وإهانة لكبرياء ومنهجية أمريكا،كما أنه يحمل إيران المسؤولية عن تأجيج الإرهاب في العراق من خلال دعمها لحكومة طائفية في بغداد وجعلت المنطقةَ تلتهب بالإرهاب،ومن المرجح من الإدارة الأمريكية الجديدة بأن تكون أول عملية استهداف أمريكي لإيران في العراق وهي :تصنيف ميليشيا الحشد الشعبي كمنظمة إرهابية ، وهي ضربة قويةلإيران في العراق بسبب الارتباط العضوي بين إيران وميليشيات الحشد الشعبي ؛ والذي يعني بأن توقف القوات الأمريكية عن دعمها العسكري لهذه الميليشيات ، كما أنها سوف تقوم بعمليات عسكرية تستهدف تلك الميليشيات.[226]
ويتوقع من الإدارة الأمريكية بأن يزيدوا عدد قواتهم بالعراق ؛ حيث يؤمل أن يصل عدد القوات الأمريكية إلى 10 آلاف مقاتل ، وأيضاً إكمال القواعد العسكرية التي تقوم ببنائها الآن في العراق،وأيضاً دعم تشكيلات عسكرية سنية لتحقيق التوازن العسكري مع القوات الحكومية والميليشيات الموالية لإيران،ومن المتوقع بأن تدخل الدول الغربية أو العربية للعفو عنهم والحيلولة دون القضاء عليهم.
وأن هناك خطة قادمةً تعتمدها إدارة ترامب الجديدة وهي التواجد العسكري الأمريكي في العراق في المرحلة القادمة خاصةً في الأنبار والموصل وتكريت،وستعمل الولايات المتحدة على إنشاء حشد سني يتكون من الحزب الإسلامي والجماعات المسلحة التي قاتلت أمريكا سابقا والبعثيين برعاية الدول الحليفة لواشنطن ،حيث هذه القوة مدارة من دول الخليج وتركيا بإشراف أمريكي يمثل مصالح هذه الدول في مواجهة النفوذ الإيراني؛ وهذا ما يفسر صمت واشنطن عن الحشد.[227]
[228]ومن أهداف خلق الكيان الطائفي العسكري في العراق وهي: السيطرةُ على موارد الطاقة لصالح الشركات الأمريكية والتركية تبعاً للجغرافية النّفطية التابعة لهذا الشكل السياسي والتي يتوافر فيها ثروات هائلة، وأيضاً مواجهة إيران وتحجيمها من خلال المكون الطائفي ؛واللذان يشعران بحساسية مفرطة تجاه طهران وكله لصالح واشنطن ودول الخليج،وأيضا ًإيجاد كيانٍ سياسي عسكري لقطع تواصل طهران بدمشق وبيروت برياً،واعتبار الأنبار والموصل حائط صد دفاعي بمكون مذهبي يحكمه الطائفيون ينوبون عن الخليج والأردن وتركيا،وحيث هذا يؤدي إلى صراع إقليمي في بغداد تتبعه الإدارة الأمريكية الجديدة لإشغال بغداد بصراع مع الأقاليم مع حدوث اختراقات أمنية وفوضى في المحافظات المحررة ؛لتأليب السكان على الحشد والجيش وتشكيل قوة خاصة بهذا الإقليم تخدم أمريكا وحلفها القادم.
ومن المحتمل أنْ يقوم الرئيس ترامب بإعادة النظر بكل تحالفاته القديمة وإقامة مؤتمرات سياسية ثنائية لتقييم مدى تمسّك الشريك الآخر بعلاقته مع الولايات المتحدة ، وعلى الرغم من احتمالية تقوية علاقته مع إسرائيل وتركيا وحتى مع السعودية ؛ إلا أن هذا التوجهَ نحو فك الارتباط الاستراتيجي مع الشرق الأوسط قد يستمر ،ونفس الشيء بخصوص حلف النيتو وتقليل تمسك الولايات المتحدة بها ؛والتي تعتبر أقرب قناعة أمريكية عامة من قناعة الرئيس ترامب وحده، ويرى ترامب بأن سياسةَ إطفاء الحرائق قد تقل باتجاه ترك الحرائق لتطفأ بنفسها من الأمنية والعسكرية والسياسية والمالية الكبيرة والتي لها أثر كبير في رسم وتطبيق السياسة الأمريكية الاستراتيجيّة.[229]
وبخصوص البعد العراقي في علاقة الولايات المتحدة مع إيران فهناك قناعة أولية ،وتزداد في واشنطن بأن العراق سيحسب على المعسكر الإيراني وهنا قد يدفع العراق ضرائب تلك القناعة، وبالنسبة للعراق؛سيكونتعامل ترامب مع الوضع الأمني في العراق أسهل مما كان عليه في عهد أوباما ،وأنّ إدارة ترامب تعتم على انطباع بأن العراق واقع تحت التأثير الإيراني وأن أمريكا خسرت كثيراً من أجل العراق للإيرانيين ولا داعي لاستثماراتٍ جديدةٍ ومن الضروري للطرف العراقي بأن يسعى لتغيير هذا الانطباع الخاطئ وتسيير اتجاهاته، وأيضاً نرى بأن إيران وروسيا تمددتا على حسابات الاستراتيجية الأمريكية ،وهم اليوم الأمريكان ويريدون إعادة حسابات المنطقة ،وأن يسيطروا على النفط تماماً لاسيما نفط العراق بعد أن سيطرت عليه إيران فارضةً نفوذها على كل مقدرات العراق.[230]
[231]ويذهب محلل سياسي عراقي بأن ” ترامب سيسعى إلى إعادة نفوذ الولايات المتحدة في العراق والمنطقة ؛ خاصة بأن هناك قوات أمريكية توافدت فعلا في العراق ووصل عددها إلى أكثر من 7آلاف مقاتل،إلا أن الكاتب والمحلل السياسي العراقي يحيى صهيب يرى بأنه ليس من السهل التعامل مع التغول الإيراني في العراق موضحاً حديثه بأن سبب ما ذهب إليه بكون إيران استطاعت أن تتغلغل في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة العراقية ، وأيضاً سبب آخر أن إيران استطاعت أن تبني لها قواعد شعبية بين شيعة العراق مشدداً على أن الخطير في الأمر أن هذه القواعد أصبحت مسلحة وفوق القانون وأقوى من الجيش العراقي والتي من الممكن أن تتعارض مع مصالح ترامب في العراق، وذلك التغلغل الإيراني يمكن أن يصعب على ترامب سحب البساط من تحت أقدام إيران الممتدة في العراق ،وذلك التغلغل يدعو ترامب إلى رفع سقف تهديداته ضد إيران مشيرا أن ذلك يذكرنا بسلفه الأسبق جورج بوش الذي كان لا يدخر مناسبة إلا ويهدد فيها بضرب إيران.[232]
بالنسبة لسوريا:
ينوي ترامب في المرحلة القادمة بإخراج إيران وحزب الله من سوريا ؛حيث لدى خبراء الأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب توجه إزاء الرقة سابقا،ويضيفون ” الهاجس الإيراني” إلى سياستهم السورية،ويرى ترامب بأنه يريد تعزيز دعم ” قوات سورية الديمقراطية” والتي يهيمن عليها الأكراد ،ويؤكد ترامب بأنه لا مشكلة لواشنطن في التحاور مع موسكو أوالحكومات السورية حتى يقلص مستقبلاً من تأثير إيران وحزب الله والميليشيّات الشيعية في سورية، ويرى ترامب بأن الأفضل بقاء سورية موحدة على طريق البوسنة مع كيانات عدة بداخلها ؛حتى يستطيع بسط نفوذه في سورية ،ولكن ما يقلق ترامب بأن ” إيران وحزب الله بأن تكون القوة الأساسية للأسد على الأرض”،ويرى ترامب بأن ” تقليص التأثير الإيراني في سورية قد يأتي بنتائج خطيرة في العراق ولبنان”.[233]
[234]ويتوقع أيضاً من ترامب من موقفه من سوريا وبشار الأسد وإيران والحرس الثوري بأن يكون موقفه غامضا أو لا يكون إلا نسخة مكررة من موقف الرئيس المنتهي ولايته ” باراك أوباما ” والذي أطلق تصريحات بأن ” بشار الأسد انتهى ،ليغادر البيت الأبيض وبشار أكثر قوة”،ويواجه ترامب سوريا وهي مقسّمة وغير مستقرة وتؤدي فيها الجماعات الإرهابية دوراً كبيراً من جميع النواحي، ويرى ترامب بأن تعامله مع هذا الوضع لا يكون إلا ببناء مناطق آمنة والتعامل مع الأجزاء المكونة لسوريا من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية ،وأيضاً وقف تدفق اللاجئين ،ومكافحة الإرهاب ،وسيكون إنشاء مناطق آمنة للسوريين من مختلف الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة على الحدود مع تركيا والأردن وتعتبر أفضل وسيلة لبناء المناطق التي يقول عليها الرئيس المنتخب ترامب ” أن بإمكانها أن تساعد اللاجئين ومكافحة الإرهاب .
ويرى ترامب بأن إنشاء تركيا منطقة آمنة شمال حلب مع التوصل إلى تفاهم مع روسيا ستكون فرصة جديدة وقوية ويحتمل لحماية السوريين وبمثابة أساس عسكريّ وسياسيّ للقضاء على ” تنظيم الدولة ” عبر وادي الفرات، وهناك خيار آخر أمام ترامب في سوريا ويتمثل بإجراء مفاوضات مضنية مع موسكو واختبار التزام روسيا بمكافحة الإرهاب في سوريا ،والتضييق على نظام الأسد ، وتحقيق تسوية سياسية قابلة للتطبيق من خلال إعادة التفاوض على اتفاق ” مجموعة التنفيذ المشتركة” والذي تم التوصل إليه مع موسكو في الخريف الماضي.[235]
والخيار الأخير لدى ترامب كما يقول تابلر: “إحداث انقسام بين إيران وروسيا بشأن سوريا فيجب على الولايات المتحدة التّفاوض مع روسيا بشأن التوصل إلى تسوية مستدامة في سوريا ؛والتي من شأنها أن تبقي ” حزب الله” وغيره من الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران خارج سوريا ،وترى المحللة السياسية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن ؛بعدم وجود مؤشّرات من أي من المحيطين بترامب على أن لديهم صيغة تتيح لترامب توفيق هذين الموقفين المتناقضين في سوريا، وقالت أيضاً ” يمكن لترامب التفاوض مع روسيا لكن إذا لم يكن مستعداً للقبول بصيغة تسمح للأسد بالبقاء في السلطة ،فسيكون من الصعب التعامل مع الإيرانيين”،ويحتاج الرئيس المنتخب عقد صفقة تحظى بقبول المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي المنخرطة في الصراع السوري ، ونتيجة تفاوضه مع إيران ؛ يرجح بأن يكون هدف ترامب من تصعيده مع طهران هو تكثيف الجهود الأمريكية لوصم إيران بأنها زعيمة للإرهاب وراعية العالمي ، ومن ثم تقليص نفوذها بالشرق الأوسط. [236]
[237]وصرح دونالد ترامب في حوار تلفزيوني مع قناة NBC الأمريكية ؛ بأن التدخل العسكري المباشر سيؤثر على الاقتصاد كثيرا ، إذ أكد أن ” تدخل روسيا العسكري في سورية سيؤدّي إلى إفلاسها “، وصرح ترامب أيضا بأن ” أي دولة تقوم بلمس الشرق الأوسط فإنها تظل عالقة هناك”، كما أنه يعارض سياسة الولايات المتحدة في تدريب ودعم المعارضة السورية،قائلا ” لا ندريمن هؤلاء الأشخاص ولا نعرف نواياهم” مرجحاً بأن تكون المعارضة أسوأ من الرئيس السوري بشار الأسد. [238]
وقال ترامب إنه لو كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في منصبيهما ،فإنّ هذا سيكون أفضل بكثير عن الوضع الحالي،كما صرح أنه ” لو كان الأمر بيده لانسحب من سورية “،بالنسبة لصفقة إيران النووية التي وقعتها الإدارة الأمريكية مع النظام الإيراني ؛ يرى دونالد ترامب أنها ” أسوأ صفقة في التاريخ ” ، رافضاً مبدأ التفاوض مع إيران وواصفاً إياها بأكبر راعٍ للإرهاب في العالم على حد قوله ، والذي سيتوقع من أن يضر مصالح أمريكا في الشرق الأوسط [239] ، [240]ويعتقد بأن تصريحات ترامب الموجهة إلى روسيا ؛ إذ أن عليها أن تكون قلب أمريكا ،والعمل على إبعاد إيران عن هذا الموقف والموقع الذي هم فيه، أما بالنسبة لتشديد ترامب على أهمية الربح من خلال السيطرة على النفط ،وأيضا ترامب باعتباره تاجرا ويحمل رؤية اقتصادية ،فهو يعمل وفقا للمصالح المادية ،ويؤكد ترامب بالتحالف الروسي مع سوريا لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وهي السياسة التي يفصلها للتعامل مع الأزمة السورية،ويعزو ترامب بأن ” نظامه هو الطريق الأفضل للقضاء على التطرف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية والذي يهدد أمريكا إلا أنه يؤكد على تحسين العلاقات مع روسيا ؛حتى يكون باستطاعته تسهيل إدارته في سوريا.[241]
[242]وقال معهد واشنطن الأمريكي لدراسات الشرق الأدنى ؛ بأن الانتصار الأول للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ربما يكون في سوريا،وفي تقرير له أصدر للمركز البحثي الأمريكي عشية تنصيب ترامب قال :إن الرئيس الجديد ستكون أمامه فرصة لاختبار تصميمه الدبلوماسي الجديد في مكان غير متوقع وهو عاصمة كازاخستان ” أستانة” التي ستعقد فيها روسيا جولة جديدة وهامة من محادثات السلام السورية ،وقد تفاخرت موسكو بدعوة إدارة ترامب لها ،وتهدف الإدارة الأمريكية الجديدة بأن يكون المدى الأطول في أستانة ينبغي أن يكون البدء على الأقل بعملية تميييز الجهات الفاعلة الشرعية والمصالح في سوريا عن الإيرانيين وحزب الله وغيره من الميليشيات الطائفية الأجنبية، وربما هذا التصريح يمهد الطريق لخطوات مستقبلية من أجل فصل مصالح روسيا والنظام عن مصالح إيران وعملائها الخطرين،ويرجّح معهد واشنطن أن تقبل روسيا بهذا الأمر لأسباب ؛ من بينها : أن ترامب على استعداد لاستمالتها عبر تخفيف العقوبات الانتقائية ،وأن روسيا لديها أسبابها الخاصة للتوصل إلى تسوية منها : أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تأجيل الإجراءات ضد نظام الأسد إلا أنه يضعف السيطرة على جميع البلاد دون دعم عسكري خارجي[243]
[244]وأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تسمح لإيران أن تظهر كمنتصرٍ في سوريا ،وأن إدارة ترامب القادمة التي بدت صديقة للرئيس الروسي بوتين لها أولويتان في سوريا وهما :الأولى أن تهزم تنظيم الدولة أو تطرد فلوله خارج سوريا والعراق ؛لذلك تحرص على أن لاتخرج إيران بوصفها المنتصروتنشر تأثيرها الضار في عموم ما يعرف بالهلال الشيعي عبر عناصر ميليشيا حزب الله في لبنان والمقاتلين الشيعة التي تدعمهم في العراق وسوريا،وأن ترامب بعد توليه الرّئاسة يصل إلى تفاهم مع روسيا لقصف تنظيم الدولة ،وأن قدوم إدارة ترامب إلى البيت الأبيض يضيف إلى هذه الصورة عنصراً كان مفقودا أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وهو عودة واشنطن كلاعب مباشر في أحداث المنطقة بتوجه أيديولوجي وتصادمي، وهو يريد تغيير ما انتهجه سابقه أوباما في التعامل مع إيران ،وبالنسبة له الخطر لا يقتصر على الإرهاب السني فقط بل يمتد إلى الشيعي ، وهو ما سيضع عبئاً جديداً على إيران ومشروعها في سوريا ، وما سيعقبه من انهيار لطموحاتها إذا سقط نظام الأسد الذي يعتمد بشكل رئيسي على قوة الميليشيات الشيعية، وأن هناك ترحيباً غريبا بإمكانية تهدئة الولايات المتحدة مع روسيا للحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ، لاسيما أن موسكو هي من تمسك بملف الأزمة السورية ورؤية الرئيس ” فلاديمير بوتين ” لإيجاد تفاهمات أكبر مع ترامب حول النفوذ الإيراني.
وستضطر الإدارة الجديدة بقيادة ترامب أن تتفاعل مع النظام الإيراني إن أرادت حل القضية في سوريا ،ويشارإلى وجود تشابه بين رؤية ترامب للأزمة السورية مع وجهة النظر الإيرانية خاصةً فيما يتعلق ببقاء بشار الأسد لفترة مؤقتة قد تؤدي إلى تقارب على المدى الطويل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ، واستدرك ترامب بقوله ” لكن العقوبات الجديدة سيكون لها تأثير على الساحة الإيرانية في الداخل بإحراج واضح لإدارة روحاني أمام التيارات المتشددة التي عارضت الاتفاق النووي في بداياته، لذلك أتوقع أن تحدث مصادمات سياسية داخلية بين رموز النظام خلال الفترة القادمة خاصة بعد غياب رافسنجاني الذي شكل دعماً قويا لتوجهات الرئيس روحاني”.[245]
وأن إدارة ترامب في المرحلة القادمة ستعمل على زيادة إرباك النظام الإيراني داخليا وخارجيا خاصة فيما يتعلق بقضية الانتخابات الرئاسية التي من المزمع إجراؤها بعد ثلاثة أشهر ؛لأن هذا قد يهذب السلوك السياسي لإيران في سوريا،بالرغم من رغبة إدارة ترامب بإجبار إيران على الخروج من سوريا وتحجيم التمدد والطموحات الإيرانية إلا أنه من الصعب توقع سياسة ترامب في هذه المرحلة نحو إيران وخاصة في سوريا، ويقول المنسق العام لمنظمة التضامن من أجل سورية “محمد زكوان بعاج” حيث أسرد بقوله ” لا أستبعد أن تكون مواجهة إيران في سوريا ، فعمليا إيران تسيطر على سوريا وساعدتها على ذلك روسيا ؛إلا أن الهدف الأمريكي ليس فقط تحرير سوريا وإنما الضغط من أجل إبعاد إيران عن المنطقة وإخراجها نهائيا كلاعب رئيسي وعنصر مؤثر وممول لجميع الأنظمة التابعة لها ولحليفها الروسي”.
ويشدد ( بعاج) بأن ” العقوبات الأمريكية المحتملة على إيران تأتي بهدف إجبار إيران على الدخول في الخيارات الأمريكية ، وتابع القول “الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب لا تريد شريكاً إيرانيا في تقاسم المصالح وإنما عبدا يقدم خدماته بالمجان مقابل دفع الإتاوات للحكم والسيطرة والهيمنة”، مشيرا إلى أن إيران بدأت تأخد خطوات عملية أكثر بدليل تشكيلها مؤخراً بالتعاون مع نظام بشار الأسد الفيلق مع نظام بشار الأسد الفيلق الخامس الذي تموله بشكل مباشر.[246]
[247]ويرى الكاتب والسياسي السوري ( كمال اللبواني ) بأن” لو حاولت أمريكا التصدي لمشروع الهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا فهي تلعب بكل الأوراق التي بيدها بما في ذلك زعزعة استقرار كل الدول في المنطقة ، ويتوقع ( كمال اللبواني) “بتشكيل حلفٍ عربي أمريكي إسرائيلي يعمل على تقليص أدوار إيران “، ويوضح (اللبواني) ” أنه بالرغم من أولويات ترامب في القضاء على تنظيم الدولة إلا أنّ العامل الحاسم في الحرب على إيران هو إسرائيل ؛فإذا توصلت لحتمية الحرب معها فسوف تستدرج ترامب وتحيد الحليف الروسي وستجند القوات العربية في هذا الحرب ، أي أن هذا الخيار يتوقف على مقدار غطرسة إيران”.
ويود ترامب في الفترة القادمة القضاء على إرهاب تنظيم ” داعش” وأنه مستعد بسبب ذلك للتعاون مع مجرمي حرب مثل : بشّار الأسد ،فإنه يخلط بين السبب والمسببات ؛ فالتنظيم الذي يتبجح بتطلعه لإعلان الخلافة ما كان له أن يظهر بهذا الحجم لولا طغيان الأسد التي استخدمها جيشه في قصفه للمدنيين العزل في سوريا، وأيضا يعبر ترامب عن نيته في التخلي عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران ؛ لأن ذلك على ما يبدو أسوأ صفقة ولن يمنع إيران من صنع أسلحة نووية بالإضافة أنه يريد التمسك بالاتفاقية مع طهران والتعاون مع الصين وروسيا،فرؤية ترامب تجاه النزاع في سوريا “ليست فقط متناقضة وإنما خطيرة”،وتقوم الإدارة الأمريكية استعدادها للتعاون مع جميع الأنظمة السلطوية في المنطقة بدون شروطٍ،إلا أن المراقبين العرب يخشون أن يصبح دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد ضحايا لسياسة ترامب في الشرق الأوسط ، لكن التوجه إلى الأنظمة التسلطية لا يضمن الاستقرار الحقيقي ؛ حيث ليس لهؤلاء الحكام مخططات مناسبة لحل المشاكل القائمة، وهذا ما يؤدي إلى تسريع تدمير العالم العربي من خلال رد الاعتبار الأمريكي للمتسلطين.
إلا أن هناك اتفاق أمريكي روسي فيما يتعلق بسوريا، ويتم صياغة الاتفاق حالياً بشرط أن تحصل روسيا على موافقة إيران والأسد ، أما إذا تم التوصل إلى اتفاق وقررت إيران والأسد معارضة الاتفاق عن طريق مساعدة حزب العمال الكردستاني أو تحريض الميليشيات الشيعية للتصعيد على سبيل المثال؛ فإن الترتيبات الجديدة قد تصبح أمراً واقعاً في الشمال الروسي في ذلك الحين،فيجب معايرة الضغوط الأمريكية بعناية من أجل توجيه التحركات الإيرانية نحو بنية أمنية إقليمية خالية من التدخلات والتهديدات ،وإذا اتضح بأن الإيرانيين بلغوا من التعنت والتصلب العقائدي تمنعهم من التعامل مع الأوضاع المستجدة فإن وتيرة الضغوط سوف ترتفع ؛لذلك الغاية النهائية هي السلام الإقليمي والتعاون واحترام القوانين والأعراف الدولية وتنسيق الجهود لمحاربة الإرهاب والتطرف.[248]
المبحث الثاني:
سيناريو 2 :موقف الدول العربية من المد الإيراني في لبنان.
مقدمة السيناريو:
ملف العلاقات الإيرانية العربية يحتوي من التعقيدات ما لا يمكن لأي دولة تحقيق أي خرق فيه خاصةً بأن عقيدة النظام الإيراني تقوم أساساً على عداء الآخر ، وبالتالي فإن طرح “لبنان” الوساطة بين الدول العربية والخليجيّة خاصة بين إيران لا يعدو كونه مجرد تسجيل موقف . [249]
[250]وعليه فقد يكون من الأوفق أن ترتكز عملية إعادة هيكلة هذه الإستراتيجية المستقبلية لدول الخليج العربي حيال لبنان على الآليات الرئيسية التالية وهي :- تطوير عامل ردع خليجي في مواجهة إيران من خلال عدة آليات ومقومات تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي، وتتسم بخصوصيتها الخليجية الدائمة ولا ترتهن بتقلبات المصالح وتغير أدوار القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في المنطقة ويأتي في مقدمة هذه الآليات: الإسراع باستكمال مسيرة التكامل والاتحاد الخليجي، لاسيما في جوانبها الدفاعية والعسكرية والاقتصادية، وكذلك تعزيز التعاون والتنسيق على المستوى العربي وتبدو أهمية هذه الآلية فيما أثبتته تجربة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية من فاعلية وجود مظلة أمنية عربية مؤقتة أو دائمة في حماية وتعزيز الأمن العربي على المستويين الوطني القُطري والقومي الجماعي تأطير العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران بصورة مؤسسية وبشكل جماعي يتجاوز الأساس الثّنائي الذي يحكم هذه العلاقات في الوقت الراهن تعزيز علاقات الشراكة الخليجية الأميركية؛ حيث ستبقى الولايات المتحدة الأميركية الموازِن الكفء لإيران في الخليج خلال السنوات المقبلة.[251]
موقف السعودية من المد الإيراني في لبنان:
لا تعتبر لبنان ساحة المواجهة الوحيدة بين المتنافسين السعودي والإيراني ،إذ ينخرط حزب الله وإيران في الصراع السّوري بمساندتهما الرئيس السوري بشار الأسد ، مما يخشى مراقبون بأن تتحول لبنان إلى ساحة حرب بالوكالة،تعيد للأذهان ما شهدته البلاد من حرب أهلية بلغت ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي وراح ضحيتها نحو 150 ألف مقاتل ، حيث يرى الدّكتور سرحان العتيبي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود بأن ” الجماعات والقوى التي تدعمها السعودية داخل لبنان ضعيفة بالأساس نتيجة تغول حزب الله وإيران،وتقديم الدعم لها من عدمه لن يؤثر كثيراً عليها “، وتابع العتيبي بأن ” السعودية قد تساعد في تقوية حلفائها داخل لبنان عن طريق إضعاف حزب الله ومن يسانده”، ويستطرد العتيبي ” بأن السعودية استطاعت تصنيف الحزب كجماعة إرهابية خليجية وعلى مسستوى وزراء الدول الداخلية العرب وستسعى للحصول على تصنيف مماثل من كيانات إقلمية مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إضافة إلى دول عربية وأوروبية”.[252]
ويرىالعتيبيأيضاًبأن “مثلتلكالاعترافاتستفتحالمجالأماماستهدافالحزبومسانديهمالياواقتصادياوعسكريا،وهذابالتأكيديصبفيمصلحةمنافسيالحزبفيالداخلاللبناني”،وتضيفليلىنقولاالرّحبانيأستاذةالعلاقاتالدوليةبالجامعةاللبنانيةبأن” السعوديةتضرنفسهاعندماتعاديالجيش”،وترىأستاذةالعلاقاتالدوليةبأن” ماتقومبهالسعوديةيضعفحلفاؤهاقبلأنيضعفحزبالله”،مماوصفتإيرانالقرارالخليجيبأنه ” يعرضاستقرارلبنانللخطروأنهسيضربوحدةوأمنلبنان”،ويرىمحللونبأنالسلوكالسعودييؤثرسلباعلىحلفائهفيلبنانويفسحالمجالأمامحزباللهوإيرانلزيادةنفوذهافيالداخلاللبناني.[253]
بينما تتنافس السّعودية وإيران على زيادة نفوذهما في المنطقة تمكن لبنان من الحفاظ على توازن معقول وغير محسوب لأي من المتنافسين حيث أشار الرئيس اللبناني محادثاته مع الملك سلمان عودة السياح السعوديين إلى لبنان، والتي تعتبر مؤشراً إيجابيا لزيادة الموارد المالية لخزينة الدّولة.[254]
وفي ما يتعلق بانفتاح عون على السعوديين ؛هذا يعني بأن إيران ستراقب بدقة مسار الانفتاح،وسيقول حلفاؤها لحليفهم مقدار الانفتاح وطبيعته ،وأن النهج الذي سيسلكه عون لن يكون استفزازيًّا في الاتجاهين ؛ فهو لن يخيب السعوديين ولن يخون الإيرانيين ،وعند زيارة عون للرياض فمن المتوقع أن تتم التوازن في العلاقات بعد تأليف الحكومة ، لكن السعودية تريد أن يكون الإفراج عن الهبة جزءاً من برنامج تضمن فيه بأن لبنان لن يكون أداة في يد إيران ،وعند حدود تصحيح الخلل في العلاقات بين لبنان الرسمي والسعودية لن تقوم إيران بأي محاولة تعطيل ، لكنها على الأرجح السّعودية دورها التقليدي أي سيحاول الإيرانيون أن يضعوا الضوابط لعملية التطبيع بين لبنان والمنظومة الخليجية العربية لتبقى لهم الكلمة الأقوى في لبنان،وحرص السعوديون على أن لا تبلغ الساحة اللبنانية حدود المواجهة المذهبية ، لكنهم كانوا يميلون إلى دور أكثر تشدداً لحلفائهم ولم يكن هناك انسجام كامل بين الرياض وحلفائها اللبنانيين حول الأسلوب،ويبدو بأن السعويين اقتنعوا بضمانة “عون الحريري ” لاستعادة التوازن بين المحاور في لبنان وتالياً اقتنعوا بمفهوم الحريري لخصوصية الحالة اللبنانية الدّقيقة، وسيكون التّرجمة بأن يعود السّعوديون وسائر الخليجيين العرب بكل ثقلهم للبنان سياسياً واقتصادياً،وهذا الأمر سيبدأ بعودة التّغطية الخليجية للاقتصاد والمال في لبنان في شكل مبادرات خاصة ورسمية ، مما يربح أيضاً للبنانيين العاملين في دول الخليج على اختلاف فئاتهم وعودة المستثمرين والسياح الخليجيين إلى لبنان .[255]
وأن أبرز علامات التغيير في الموقف السعودي ؛ الموقف من الرئيس ” سعد الحريري” فالواضح بأن الرياض اقتنعت اليوم بمفهوم الحريري لخصوصية الحالة اللبنانية مما يزيد من تأثير العلاقات بين البلدين ،وأن هدف اللقاءات الجامعة بين السعودية و إيران يتمثل بتحصين لبنان وعودة الحياة السياسية الطبيعية إليه ، حيث صرح السبهان في مقابلة مع جريدة الحياة معلقاً على ما تم تداوله حول وساطة لبنانية بين السعودية وإيران بالقول ” لا أعتقد أن هناك وساطة يقوم بها الرئيس اللبناني ميشال عون…النظام الإيراني يعلم ماذا تريد المملكة ، ويعلم ما أسباب انقطاع العلاقات “، وتحرص السعودية على استمرار التنسيق مع دمشق في الشأن اللبناني ، كما يرى ممثل المرشد الإيراني في المجلس الأعلى للأمن القومي ” علي شمخاني” في مقابلة أجراها مع مجلة ” دراسات السياسة الخارجية الإيرانية” إن طهران لا تريد إسقاط الحكم بالسعودية ، بل إنها تدعم محاولات كبح المخططات” ،وقال وزير الخارجية الإيرانية ” جواد ظريف ” بأن “لا أرى سبباً ليكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية ،ولكن يمكننا التعاون من أجل استقرار المنطقة ، وكانت إيران والسعودية قادرتان على إزالة العقبات أمام انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان .[256]
[257]تشكل السعودية فاعلاً رئيسيا والتي تشكل قوة مهمة في منظومة الهيمنة الغربية والتي لديها التزامات تجاه أمريكا، وتكوينها لعلاقات وشبكات داخل المنطقة وخاصةً لبنان؛ حيث تسعى في التأثير في لبنان من خلال المنح المالية المشروطة بأجندات سياسية وستصبح السعودية فاعل كقوة اقتصادية وسياسية من خلال معدلات التدخل اللبناني، وهو ما ارتبط بتوسع الاستخدام السعودي في السياسة والإعلام والاستخبارات ؛حيث تتواجد في السعودية غرف تخطيط وإدارة لشبكات سياسية وإعلامية وأمنية، وقيام إيران بتشكيل محور المقاومة أو الهلال الشيعي والذي يضم لبنان والعراق وسوريا والذي يساهم في تحقيق الأمن الداخلي وبغية تحقيق الوحدة العربية ، الأكيد أن التاريخ لا يكرر نفسه، لكنّ الوقائع المتشابهة تفرز نتائج متقارِبة، فعون لا يمكن أن يمتلك القدرة على تجاهل أن المدخل إلى علاقة جيدة مع الرّياض تمر بطهران، فالضّوء الأخضر يأتي من هناك، وخلاف ذلك لا بأس من تنظيم الرحلات الرئاسية الفضفاضة، ولا بأس من مشاهدة مظاهر الاحتفاء بالضيف ستكون على مستوى عالٍ من التكريم، لكن بعد الانتهاء من كل ذلك سيكون رئيس الجمهورية أمام تحدي اتخاذ المنحى المطلوب لإعادة علاقةلبنان الطبيعية مع العالم العربي، فهل يملك عون القدرة على اتخاذ هذا القرار أو الأصح هل يملك شركاؤه في 14 آذار القدرة على اتخاذ هذا القرار؟، من الناحية العملية يرتبط نجاح الزيارة بما سيصدر بعد انتهائها، والأبرز الإفراج عن السياحة السعودية الى لبنان في الصيف المقبل، كذلك الإفراج عن الهبة السعودية للجيش اللبناني، وهذا مرتبط بموقف رئيس الجمهورية من القضايا الاساسية على الصعيد العربي.[258]
[259]ومن العلاقات اللبنانية السعودية التي كاد حزب الله يصل بها إلى الصفر، فهل سيستطيع عون تقديم الضّمانات المطلوبة للمملكة لكي تُستعاد هذه العلاقة وهل يملك هذه الضمانات؟، ما ينقل عن المسؤولين السعوديين في هذا المجال يؤشّر إلى تفاؤل مردّه مصلحة الرئيس عون بنجاح عهده، وإلى تفاؤلٍ عملي مرده أيضاً العلاقة مع وزير الخارجية جبران باسيل التي قطعت أشواطاً من الإيجابية، ومن الالتزامات الواضحة المُعلن منها وغير المعلن، وهو ما سيعطي فرصة لنجاح نسبي للزيارة، على أن تستكمل عملية ترميم العلاقة في المدى القريب في موازاة هذا التفاؤل تسأل أوساط سياسية عن قدرة عون على القيام بعملية إعادة بناء للعلاقة اللبنانية السعودية، في ظل عدم توافر عاملين أساسيين لهذه العملية فالزيارة تحصل في وقت تعيش العلاقة الإيرانية السعودية أسوأ مراحلها، أما العامل الثاني فيتمثل بعون نفسه؛ فالهامش الذي يملكه للذهاب بعيداً في بناء علاقات حارة مع السعودية ودول الخليج ضيق جداً بسبب العامل أقصى ما يمكن أن يقوم به جولة علاقات عامة دبلوماسية لن تلبث أن تصطدم بالمعادلة المتفجرة في المنطقة، هذه الجولة لن تعارضها إيران لأنها تعرف أن الرئيس الحليف ملتزم بخطوطها الحمر، ولا تمانع السعودية في أن تعطي الفرصة لها، علّ هذا التوازن الشكلي الذي يعبّر عنه عون يكرس في انتظار تغيير ما في التوازنات الحالية، خصوصاً في مرحلة ما بعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها استثمرت السّعودية في نموذج 14 آذار في لبنان مع الحريري، وفي فلسطين مع الرئيس محمود عباس وفي سوريا مع الثورة السّورية وإلى حدٍّ ما في العراق واليمن ومصر، فكانت التجربة مختلفةً في كل نموذج لكنّ تلك التّجارب اجتمعت على قاسم مشترك، مؤدّاه أنّ من استثمر بهم لم يستطيعوا تكوين قاعدة ثابتة قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني[260]
[261]وما يحصل اليوم بعد انتخاب الرئيس الحليف لحزب الله في لبنان؛ هو العودة إلى سياسة الاحتواء الواقعية التي جرّبتها المملكة في قمة الكويت لفصل نظام الاسد عن إيران، فكانت النتيجة مزيداً من التصاق النظام بطهران وسقط ضحايا سياسيون كثر، وبدأ انهيار سريع في صفوف 14 آذار و انتهى بعد سنوات بانتخاب رئيس وبتشكيل حكومة لحزب الله فيها القرار والنفوذ وغطاء السلاح في لبنان وسوريا، من ناحية أخرى لفت الرئيس اللبناني “ميشيل عون ” إلى أن ما يقلقه هو أن يشهد العالم العربي الأحداث التي
تجري على ساحته حالياً بينما استطعنا أن نحفظ لبنان بالحد الأدنى، ولكن ما لم نستطع فعله هو المساهمة الفاعلة مع العالم العربي لإطفاء النار وحول الموقف من محايدة لبنان”، وشدد على أنه “لا يتكلم عن محايدة لبنان في الأزمات، إنما فقط بالخلافات العربية فنحن نعتبر أنفسنا أشقاء، وعند خلاف شقيقين يحاول الثالث أن يصلح بينهما؛ لأنه إذا التزم بأحدهما تحول إلى جزء من الصراع”.
وقال أيضاً “آمل أن نشهد عودة قوية للسياح الخليجيين إلى لبنان وقد بدأت بالفعل، وجلالة الملك كان واضحا في هذا المجال مضيفاً أنه في المملكة أجرى الوزراء المختصون محادثات مشتركة لم نر حصيلتها بعد، ولكن هناك انفتاحاً مطلقاً للتعاطي بكل المواضيع وردا على سؤال حول طريقة اختيار الوفد المرافق؛ أوضح الرئيس عون أن الوفد “يعبر عن الحياة المشتركة في لبنان، وعن أن اتخاذ القرار يتم من خلال الجميع وأننا نثق ببعض، ومهما كان الخلاف السّياسي سنتفق على طبيعة لبنان وضرورة الاستقرار فيه، وقد كانت الحالة سيئة في لبنان، وخرجت النيران من ألسنة كل من كان يدلي بتصريحات، ولكن الحريق لم يندلع ولم تسقط نقطة دم من احد، وهذا إنجاز كبير في هذه المرحلة حيث كان يقال أن لبنان يعاني من نتائج أي مشكلة تقع في الدول العربية.[262]
أما اليوم فقد تمكنا من ضبط الحدود ولم نرسل شرارة نار لأحد ولم نتلق شرارة مماثلة من أحد، بل حافظنا على أنفسنا حتى تبقى لنا إمكانية الكلام مع الجميع إذا كان هناك من مجال للمساعدة، وختم الرئيس عون مشيراً إلى “أننا لا نرى لبنان خارج العالم العربي، فميثاق الجامعة العربية سبق اتفاق الاتحاد الأوروبي، وإذا راجعنا بنوده نجد أنها أكثر تطوراً من الناحية الفكرية إلا أن الميثاق أخذ يتراجع داعياً إلى قيام سوق اقتصاديٍة مشتركة فتتطور شبكة الإنماء والإعمار والاتصالات والمواصلات ما يمكن من تقريب طبيعة الأنظمة من بعضها عبر الاتفاقيات.[263]
[264]أثار القرار السعودي بإيقاف الهبة المالية للبنان والبالغة 4 مليارات دولار الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والشعبية اللبنانية حيث عبر هذا القرار عن درجة استياء السّعودية من مواقف الحكومة اللبنانية التي تبدو خاضعةً لإملاءات ميليشيا “حزب الله”، وبنفس الوقت بادرت الميليشيا لشن حملة مضادة دافعت فيها عن مواقفها وأبدت تمسكها بها وعدم تراجعها، وهذا ما ظهر جليا في بيان الحكومة اللبنانية الذي عبر عن التزام لبنان بالتضامن العربي دون أن تستطيع الحكومة أن تطلب تعديل موقفها في بيان وزراء
الخارجية العرب حيث امتنع لبنان عن التصويت في القرار العربي الذي يدين الاعتداءات الإيرانية على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران.[265]
يقول الكاتب “علي الأمين” في مقال له بصحيفة “العرب” بأن السعودية اتخذت قراراً استراتيجياً تجاه لبنان و هو “الانسحاب في سياق الهجوم”، ذلك أنه ثمة قناعة خليجية ترسخت أخيراً بأن لبنان أصبح تحت سيطرة إيران من خلال حزب الله،وهي أخرجت لبنان من ثلاجة التوافقات التي جرت بين إيران وفرنسا والسعودية، وتلك التي مهدت لتشكيل الحكومة الحالية قبل أكثر من عامين والتي أدت بنظرها إلى المزيد من مصادرة القرار اللبناني لصالح إيران ،وخلاصة هذا القرار أن السعودية قالت “سأخرج من لبنان”، وبحسب قريبين من مركز القرار في السّعودية فإن المعركة لمواجهة التمدد الإيراني لن تتوقف قبل تسليم إيران بنظام المصالح العربي،ولبنان في صلب الأهداف بعدما تحول إلى قاعدة انطلاق لحزب الله في سياق ضرب المصالح العربية والخليجية منها على وجه الخصوص، والمواجهة في سوريا ليست منفصلة عن لبنان ولا هي منفصلة عن اليمن؛ فلبنان تحوّل إلى خلفية لإدارة الصراع في سوريا، والموقف الخليجي هو رد على استعداد إيران للسيطرة الكاملة على لبنان.[266]
وينقل “محمد شقير” في صحيفة الحياة عن وزير لبناني بارز أن الحكومة اللبنانية في وضعها الراهن لم تعد قادرةً على الاستمرار بعدما تحولت إلى أقل من حكومة “تصريف أعمال”، خصوصاً أن التسوية التي توصل إليها مجلس الوزراء في جلسته الاثنين الماضي لمعالجة الأزمة الناشئة مع المملكة العربية السّعودية ودول الخليج العربي، والتي أدت إلى قرار الرّياض إيقاف مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، لم تدفع في اتجاه إعادة تصويب العلاقات اللبنانية – الخليجية بمقدار ما أنها زادت الطين بلة وتسببت بإحراج الحكومة؛ لأنها جاءت جامعة للتناقضات تحت سقف واحد ويتابع شقير بأن وزيرا آخر حذر من سياسة الابتزاز التي يتبعها “حزب الله” وبعض حلفائه بذريعة أن خصومه ليسوا في وارد الاستقالة من الحكومة، وأنه يتمسك بها لقطع الطريق على إقحام البلد في فراغ قاتل كالفراغ الذي يرزح تحت وطأته على خلفية تعذر انتخاب رئيس الجمهورية، ويقول هذا الوزير إن استقواء “حزب الله” على خصومه ظنًّا منه بأنهم يتمسكون ببقاء الحكومة لن يصرف في مكان وسيكتشف لاحقاً أن هذا الاستقواء ليس في محله .[267]
سيناريوهات الأزمة اللبنانية
وبالعودة للأمين الذي يرى أن ثمة سياق داخلي لبناني أيضاً للأزمة الحالية مع السّعودية ودول الخليج هو خطر تحالف القيادات المسيحية مع حزب الله،وذلك أن أحد أبرز أسباب الغضب السّعودي هو صمت أو وقوف قيادات مسيحية إلى جانب الخيار الإيراني، أو دعمه من خلال الوقوف على الحياد ويختم الأمين أن سيناريوهات الأزمة ذاهبةً في ثلاثة اتجاهات:
أولاً مسار التأزم: وهو يتوقع قيام حزب الله بعملية أمنية سياسية تؤدي إلى تغيير في هرم السلطة، رئيس جمهورية جديد وحكومة جديدة بشروطه
ثانياً سيناريو الجمود: بقاء الأزمة في حدودها الراهنة وعدم تصعيد الموقف الخليجي بفرض المزيد من الإجراءات العقابية، وبقاء الوضع على ما هو عليه في هرم السلطة مع استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان بانتظار تغييرات يمكن أن تشهدها المنطقة ولا سيما سوريا.
ثالثاً سيناريو التغيير: نجاح الضغوط الخليجية في فرض معادلة التوازن وتحييد لبنان مع اقتناع حزب الله بأن معركته في سوريا والمنطقة بلا جدوى، وهذه السيناريوهات تترافق مع سلسلة تغييرات في السياسة الخليجية تجاه لبنان والمنطقة عموما تشير إليها أوساط قريبة من مركز القرار السّعودي والخليج، وهي تتلخص في السّعي إلى المزيد من محاصرة حزب الله إقليميا ودوليا.[268]
موقف العرب جاء نتيجة تراكمات بدأت منذ أن انتصرت الثورة الاسلامية في إيران، وأعلن الخميني مبدأ تصدير الثّورة أي أن تعمّ مبادئ ثورته العالم العربي والإسلامي أجمع، كذلك نصّبت إيران نفسها وكأنّها وصية على الشيعة العرب، إضافةً إلى تدخلاتها المباشرة والعلنية في سوريا دعمًا لنظام الأسد ضد شعبه، وفي اليمن من خلال دعم الحوثيين لإشعال فتنة مذهبية في البلاد وكذلك في العراق والبحرين ولبنان، كل تلك الممارسات على مدى العقود الأربعة الماضية لم تلق موقفًا عربيًا مشتركًا يدين تدخلات إيران في المنطقة، ولكن ما حصل بالأمس شكل نقطة تحول في الموقف العربي، فالعرب توافقوا على إدانة اعتداء إيران على السفارة والقنصلية السعوديتين، ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية عامة.
ولكن المفاجأة أن لبنان ذو الوجه العربي خرج عن الإجماع أمس وامتنع عن التصويت على البيان الختامي بسبب الإشارة إلى حزب الله في البيان، وقال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بعد الاجتماع”إننا حضرنا لنعرب عن تضامننا مع السعودية بعد الاعتداءات التي تعرّضَت لها بعثتها الديبلوماسية والقنصلية في إيران، لكننا رفضنا ربط اسم “حزب الله” بالأعمال الإرهابية[269]
[270]ولذلك امتنَعنا عن التصويت على بيان الجامعة العربية، هذا الموقف اعتبره الرئيس سعد الحريري في بيان أصدره أنه لا يعبر عن رأي غالبية اللبنانيين الذين يعانون من التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية وأسف الحريري لامتناع وزير خارجية لبنان عن التصويت على القرار، واعتبره أنه “موقف لا وظيفة له سوى استرضاء إيران والإساءة لتاريخ لبنان مع أشقائه العرب”، وهناك مصادر رئاسة الحكومة تؤكد بأن موقف وزير الخارجية هو موقف يعبر عن موقف الحكومة اللبنانية، وأضاف أنّ “امتناع لبنان عن التصويت مبرر لأن حزب الله هو جزء من الحكومة اللبنانية، فلبنان تضامن مع المملكة العربية السعودية لكل ما تعرضت له من أذى من إيران، ولكن اعتراض لبنان جاء على خلفية ذكر حزب الله ووصفه كمنظمة إرهابية، ومن الطبيعي أن يمتنع لبنان عن التصويت لأن حزب الله هو جزء أساسي من الحكومة اللبنانية الائتلافية”.
و شدد الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان “محمد علي الحسيني” على ضرورة أن يكون هناك تجمع شيعي عربي يمثل الشيعة العرب تمثيلاً حقيقياً ضد المخططات الإيرانية، مؤكداً على أنهم “جزء لا يتجزأ من معركة الأمة العربية دفاعاً عن أمنها وحقوقها وسيادتها على أراضيها”،وأضاف الحسيني أن “حماية الأمن القومي في أي مكان في العالم تتطلب جهداً رسمياً وشعبياً لتوحيد القدرات في مختلف المجالات العسكرية خاصة أن مجتمعاتنا العربية متنوعة طائفيا ومذهبياً لذلك فإن التدخلات الخارجية وأخطرها التدخل الإيراني؛ يستغل هذا التنوع الطائفي وسوء إدارة هذا التنوع من قبل بعض
الحكومات العربية؛ ليقيم جسور تدخل لتدمير هذه المجتمعات من الدّاخل،وتابع الحسيني “هناك الكثير من الأصوات الشيعية المعترضة على الهيمنة الإيرانية على شيعة لبنان والعرب، لكنها أصواتٌ فردية مشتتة تفتقد إلى القيادة والتوجيه، كما أنّها ضعيفة يسهل الاستفراد بها ومحاربتها، وهذا يعود إلى أنّ إيران زرعت في كل بلد عربي أداة قوية.[271]
وأوضح الحسيني أن “إيران لعبت على الوتر المذهبي لتفتيت المجتمع العربي”،مشيراً إلى أنّه في طهران توجد هيئة قيادية في الحرس الثوري تصنف رجال الدين الشيعة العرب بين موال ومعارض، وبين من يجب دعمه ومن يجب إقصاؤه وعزله أوحتى قتله ،ويرى الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان أن “الاعتراف العربي بتجمع رسمي يمثل الشيعة العرب سيمده بالقوة على العمل، فيكون ناطقاً فعلياً باسم الشيعة، وبالتالي إعادة الشيعة العرب للحضن العربي من خلال معايشتهم في بلدانهم منسجمين في مجتمعاتهم”، ويعتبر الحسيني أنه “لا يوجد مشكلة سنية شيعية في المنطقة وإنما المشكلة العربية تكمن مع النظام الإيراني، ومن هنا فإن معركة إبقائهم في الحضن العربي بحسب الحسيني هي ممكنة بل واجبة وضرورية”.[272]
الخاتمة:
يتضحلنامماسبقعرضهأنقيامالثورةالإيرانيةكثورةأيديولوجيةفىالجمهوريةالإسلاميةالإيرانية, كانلهاأثركبيرعلىسيرالقيادةالسياسيةوظهورالعاملالمذهبيوالعملبمبدأتصديرالثورة , حيثأنإيرانقبلالثورةليستكإيرانالثورةخاصةفيسياساتهاالخارجية, فلقدكانالعاملالمذهبيهوالمحركالأساسيللسياسةالخارجيةالإيرانيةوصنعالقرارفىإيرانوالحاكملجميعجوانبالحياةالسياسيةوالاجتماعيةوالاقتصاديةوالثقافية , وحرصتإيرانعلىتعزيزالمذهبيةفيالمنطقةورعايةبعضالجماعاتالداعيةللوحدةالإسلاميةمثلحزباللهفىلبنانوالعراقوسوريةوأنالدولةاللبنانيةمركبةمنعدةطوائفإسلاميةومسيحية،ويقومالنظامبرمتهعلىفكرةالتقاسمالطائفيللسلطةوالثروةوالنفوذ،العلاقةالمميزةالتيتربطشيعةلبنانبشيعةإيران،الأمرالذييجعلمنالصعبأنتقاسالعلاقاتبينالبلدينببعدهاالدبلوماسيفقط،بعيداعنالامتدادالطائفيوالأيديولوجي ,علاوةعليانالعاملالدينيلهاهميةكبيرةفيسياسةايرانالخارجيةحيثتعملايرانعلينشرالكتبالتيتدعوللتشيععلانيةوإنشاءمكتباتودورنشرمتخصصةلهذاالغرضوالمشاركةالدائمةللمكتباتالشيعيةفيمعارضالكتابالدوليالمقامةفيدولالمنطقةونشرأفكارهموكتبهمبينهذهالشعوبوابسطمايمكنطرحةوملاحظتهمنخلالالبحثالسابقوماتمملاحظتهحتيوالتيلمتشتملعليةالدراسةمنالبحثبسببمايطرأكليوممنجديدعليالاوضاعوالحربالدائرةفيالعراقولبنانوسوريافيالايامالقليلةالماضيةمنتوجيهضربةامريكيةباعتبارهارداعلياستخدامالنظامالسوريللأسلحةالكيماويةاليالقاعدةالعسكريةفيسورياوالتياعتبرهاالنظامالسوريبمثابةتدخلسافرمنالولاياتالمتحدةوبانهاتساعدعليدعمالارهابوبالإضافةاليانهامنخلالهاوجهعدةرسائلايضااليالنظامالسوريواستكمالمفاوضاتجنيف ,كذلكرسالةاليكورياالشماليةوالصينبانهااذاماأرادتتوجيهمثلهذهالضربةاليكورياالشماليةلنتتردد, أيضاوهوالاهمانالولاياتالمتحدةاصبحتشعبيتهالديالشعبالامريكيبعدالقيادةالجديدةفيالحضيضفأرادتكمايقالحفظماءوجهها !
أماعنالأدهىوالأعجباننالاننسيانسوريادولةعربيةوهذاماغابعنمعظمالعربوانالامراليوملميتعلقبكونوجودبشاراورحيلةوإنماالدولةالسوريةفبكلاسفبعدهذهالضربةوفياولتصريحاتكانت “الحربيرحبون “”بالرغممناناسرائيلنفسهاكانتتصريحاتهااخفعليالقلبمنتصريحاتالعربفيوجهالنظرالمتواضعةحيثصرحتب “نحننحزنعليالشعبالسوري “” باستثناءمصرالتيتعلمجيدامنتكونالدولةالسورية ! ولاالقياللومعليسوريااوالعراقاولبنانانارتمتفيأحضانايرانلأنهالمتجدعرب! إنّمحاولةترامبباستخدامهللاستراتيجياتوالسياساتوالآليات؛كالآلياتالصلبةوتتنوعإلىالعسكريوالاقتصادي،ومنجهةأخرىاستخدامهللآلياتالناعمة؛كسياسةالاحتواءلدولالمنطقةوخاصةالعراقوسورياتقديماًلمصالحهاالاستراتيجيةوالسياسيةوأيضاالعسكريّةوحصارالنفوذالإيرانيمنالتوسعةفيالمنطقةإمامنفردةأومتعددةالأطرافمعالقوىالكبرىكإسرائيلوتركياومعالدولالعربية،و،وأيضااستخدامهامبدأ “التسوية” معإيرانللحفاظعلىعلاقتهاالسياسيةمعإيرانوخوفاًعلىمصالحهافيالشرقالأوسطخاصةفيالعراقوسوريا.
وتأملالسعوديةبالحفاظعلىعلاقاتهامعإيرانمنجهةومعلبنانمنجهةأخرىحيثتسعىفيالتّأثيرفيلبنانمنخلالالمنحالماليةالمشروطةبأجنداتسياسيةوستصبحالسّعوديةفاعلكقوةٍاقتصاديةٍوسياسيةٍمنخلالمعدلاتالتّدخلاللبناني،وهوماارتبطبتوسعالاستخدامالسّعوديفيالسّياسةوالإعلاموالاستخبارات؛والذييساهمفيتحقيقالأمنالدّاخليوبغيةتحقيقالوحدةالعربية.
واخيراُ فإن ايران تسعي للهيمنة علي منطقة الشرق الاوسط وتحقيق الزعامة بما يحقق لها بعض المزايا الاقليمية والدولية, وتحقيق هدفها في اقامة دولة فارسية كبري مستخدمه في ذلك الطوائف الشيعية المتواجده في دول الجوار التي تكفل لها الارضية الخصبة للتدخل .
النتائج والتوصيات :
لقد سعت الدراسة لمعالجة واحد من أهم المواضيع علي الساحة الإقليمية وهي المذهبية في السياسه الخارجية الإيرانية وسعي إيران لتولي الزعامة والهيمنه علي المنطقة , وبعد ان تناولت الدراسة مجموعه من المواضيع والنقاط الهامة خلصت الدراسة لبعض النتائج والتوصيات :
العاملالدينيلهأهميةكبيرةفيسياسةايرانالخارجيةحيثتعملايرانعلينشرالكتبالتيتدعوللتشيععلانيةوإنشاءمكتباتودورنشرمتخصصةلهذاالغرضوالمشاركةالدائمةللمكتباتالشيعيةفيمعارضالكتابالدوليالمقامةفيدولالمنطقةونشرأفكارهموكتبهمبينهذهالشعوبوتوزيععددكبيرمنهذهالكتبمجاناكنشاطمرافقلهذهالمعارض،والعملعلىطرحمنتجاتبأسماءإسلاميةكماتعملعليإنشاءمراكزإسلاميةثقافيةشيعيةتحتمسمياتمختلفةومنثمإصدارالمنشوراتوالصحفوالبياناتمنها, وتتبنىالعديدمنالفعالياتوالأنشطةالثقافيةالمجتمعية.
-تتعدد مستويات السياسه الخارجية الايرانية تجاة منطقة الشرق الاوسط واخطرها هو المستوي الديني والمتمثل في البعد المذهبي لوجود العديد من الطوائف المذهبية المنجذبة لها من دول منطقة الشرق الاوسط .
-مستقبل العلاقات بين إيران ودول الشرق الاوسط يشوبة شئ من الضبابية , وتسعي الدول العربية للتناغم مع السياسة الامريكية لاحتواء النفوذ الايراني ومنعه من التمدد والتغول في دول المنطقة .
-أن تعاظم قدرات ايران العسكرية وتنامي مشروعها النووي يدعم دورها ونفوذها في تحقيق أهدافها الإقليمية .
-تستغل ايران دورها ونفوذها في المنطقة لمساومة الولايات المتحدة الامريكية في بعض الملفات الاقليمية كاستمرار برانمجها النووي .
-ساهم تدخل ايران في دول المنطقة في انتشار حالة من الفوضي وعدم الاستقرار ووجود مايسمي في بالتشرذم السياسي سواء لبنان او العراق.
-الإحتلال الأمريكي للعراق ادي الي ظهور العديد من القوي والتيارات الشيعية التي تتمتع بالنفوذ في العراق وتعمل لصالح السياسه الايرانية لايجاد دورا بارزاً لها في المنطقة العربية.
-يجب أن تقومالدولالعربيةبتحسينعلاقاتهامعبعضهاالبعضبالعملوالتعاونعلياكثرمنمستويمعهذهالدولالثلاثلاحتواءالمدالشيعيوليسبالحربوالتناحر.
-يجبألاتكونالعلاقاتالعربيةقائمةعليالمصلحةوانماعلياسسالتعاونوالمتانةالقائمةعليالتبادلالفعلي.
-يجبأنتنظرالدولالعربيةإليسورياباعتبارهاالدولةالسوريةوالدولةالعراقيةوالدولةاللبنانيةوليسدولاًلأنظمةوقياداتاورؤساءوالايؤديالعنفوالمذابحوالاعمالالإرهابيةفيالعراقوسورياولبناناليتمريرالسياساتالخارجيةالاجنبيةسواءلإيراناوغيرها
-والأهمأنيتمتحويلعواملالخلاففيالدولالعربيةوبعضالأنظمةالحاكمةفيهااليعواملاتفاقأوأدنيدرجةمنالتوافقمنخلالالمباحثاتبينهماللوصولإليإتفاقيرضيجميعالأطراف .
قائمة المراجع:
أولاً : الكتب :
1-الكتب العربية :
* إسماعيل عبدالفتاح ,” إدارة الصراعات والأزمات الدولية “, العربي للنشر والتوزيع , القاهرة.
*أمال السبكى , تاريخ إيران بين ثورتين(1906-1979), مجلة علم المعرفة, بدون تاريخنشر.
* تصدير الثورة كما يراه الإمام الخمينى (قدس سره),مؤسسة تنظيم ونشر الإمامالخمينى,إيران, الشئون الدولية,بدون تاريخ نشر.
*جلين بالمرو كليفين مورجان , نظرية السياسة الخارجية ( الرياض , جامعة الملك سعود , ترجمة : عبدالسلام علي ).
*سماح عبدالصبور , القوة الذكية في السياسية الخارجية الايرانية تجاه لبنان 2005 –2013, دار البشير للثقافة والعلوم , الطبعة الأولى , 2014.
* مازن يوسف, العرب وايران , نداء التاريخ والحضارة ,دار السوسن للنشر والتوزيع , دمشق , 2003.
* محمد السعيد إدريس، النظام الاقليمى للخليج العربى،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،2000.
*محمد السيد السليم، تحليل السياسة الخارجية ،القاهرة،2013
*محمد السيد سليم ، ” تحليل السياسة الخارجية “، (القاهرة : مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثانية) ، 1998م.
*محمد صادق اسماعيل ,إيران إلى أين؟: من الشاه إلى نجاد,مركز دراسات الوحدة العربية,بدون تاريخ نشر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق